المقامة التفتيشية التشبيحية
(إلى الذين يقولون : كنا عايشين)
حدثني أبو عابدين مختار قرية الصابرين ، وهو يذرف الدمع السخين فقال : في أحد أيام الشتاء نزل علينا البلاء إذ حضر إلى قريتنا أبو قنوع رئيس مخفر تل المفجوع و أحاطت به العساكر من كل جانب ، فظننا أنهم جيش من الأجانب ، أتانا يقاتل ويحارب .
فنادى في غلظة وخشونة ؛ أين المختار ابن الملعونة ، فقلت : يا سيدي ! لم يسبق أن كلمني أحد بهذه الألفاظ ، فغضب واغتاظ وقال : ترد وتتآمر على حكومة الثورة ، وتعترض وبضائع التهريب عندكم منتشرة ؟!
ثم حملق وزمجر و كأنه غضنفر ، فدفعني بقوة وانفعال ثم رفسني برجله كما ترفس البغال ولكمني وقال : على من تعتمد حتى ترد وتعترض ... أخرجوا ما لديكم من ممنوعات وإلا فعلت بكم المحرمات ، والتفت إلى أحد المزارعين وقال : يالعين ابن اللعين هل ما قاله مختاركم من أقوال الصادقين ؟ فخاف المسكين وكان في بيته كيسان من الطحين اشتراهما من أحد السائقين فقال: نعم يا سيد العارفين ! و لكن ألا يمكن أن نتفق و أنت إنسان لـَبــِق ، ورئيس مخفر حذق ....
فقلب شفتيه ، وبرم شاربيه ، ورفع حاجبيه ، وهو يقول : كل شيء ممكن و مقبول ، ما دمت تفهم علينا ما نقول ..
فقلت : يا حضرة الرقيب أنت رجل لبيب ، فما رأيك بالقهوة مع الحليب ؟ و أن تستريح ريثما نجهز الغداء ، ونتكلم بعيدا عن أعين الجهلاء ؟!
فهمهم وقال : لا بأس على كل حال .
فأسرع بعض الأعوان ، إلى طرف البستان و أحضروا تيسا ً رضيعا ً، فذبحوه وطبخوه سريعا ً، فلما أكل و أكلوا ومما لدينا نهلوا قال : وما أخبار ذوات الريش ، فنحن جاهزون للتفتيش ؟
فقلت : وضعنا في السيارة خمسة ديوك - لا عاش عاذلوك - وسبع دجاجات – رَحِم الله مَن خلـَّفك ومات - وكيسا ًمن الحنطة ، وأوزة وبطة.
فأخذته العزة والغبطة ، وشعرنا بالخلاص من هذه الورطة
فقال : وهو يتجشأ : مبادئ حزبنا فوق كل مبدأ ، نحن في خدمة الشعب الكادح ، ومن أجلكم قامت الثورة تكافح !
فقلت له : وأنا أهتف بحياة القائد والثورة ، وأهمس في حسرة لا أرانا الله وجهك غير هذه المرة ، مرددا ً بيتا ً من الشعر وأنا أكاد أتمزق من القهر:
غيرُ مأسوفٍ على زمن ينقضي بالهَمّ والحزَن ِ
وسوم: العدد 824