حقا إنا لنسوس رجالا !!
دخل جارية بن قدامة السعدي ذات يوم..
على معاوية وهو يومئذ أمير المؤمنين..
وكان عند معاوية ثلاثة من وزراء قيصر الروم..
فقال له معاوية:
"ألست الساعي مع علي..في كل مواقفه"..!!؟.
فقال جارية:
"دع عنك علياً..فوالله ما أبغضناه..
منذ أحببناه..ولا غششناه منذ نصحناه"..
فقال له معاوية:
"ويحك يا جارية..ما كان أهونك على أهلك..
إذ أسموك جارية..!!.
فرد عليه جارية:
لقد فرضت علي جوابا..ما كنت أحب أن أتكلم فيه..
لأنت أهون على أهلك..الذين أسمّوْك معاوية..
وهي الكلبة التي شبقت فعوت..فاستعوت الكلاب"..
فصاح معاوية:"اسكت لا أم لك"..!!.
فرد جارية:"بل تسكت أنت يا معاوية"..
ولم يقل أمير المؤمنين..!!.
لي أم ولدتني..والسيوف التي لقيناك بها لازالت هي..هي....!!.
وقد أعطيناك سمعاً..وطاعة..على أن تحكم فينا..
بما أنزل الله..فإن وفيت..وفينا لك..وإن ترغب..
فإنا تركنا رجالاً شداداً..وأدرعاً مداداً..
ما هم بتاركيك تتعسفهم..أو تؤذيهم"..!!.
فصاح فيه معاوية:"لا أكثر الله من أمثالك"..!!..
فقال جارية:"يا هذا..ولم يقل أمير المؤمنين أيضاً..
قل معروفاً..وراعنا..فإن شر الرعاء الحطمة"..
ثم خرج جارية من المجلس غاضباً دون أن يستأذن.
فإلتفت الوزراء الثلاثة..إلى معاوية..!!.
ثم قال أحدهم:
"إن قيصرنا لا يخاطبه أحد من رعاياه..إلا وهو راكع..
ملصق جبهته عند قوائم عرشه..ولو علا صوت أكبر خاصته.. أو ألزم قرابته..لكان عقابه التقطيع..عضواً..عضواً..!!.
أو الحرق..!!.فكيف بهذا الأعرابي..الجلف الفظ بسلوكه..
وقد جاء يتهددك..وكأن رأسه من رأسك"..!!؟.
فإبتسم معاوية..ثم قال:
"أنا أسوس رجالاً..لا يخافون في الحق لومة لائم..!!.
وكل قومي كهذا الأعرابي..
ليس فيهم واحد يسجد لغير الله..
وليس فيهم واحد يسكت على ضيم..
وليس لي فضل على أحد إلا بالتقوى..
ولقد آذيت الرجل بلساني..فانتصف مني..!!.
وكنت أنا البادئ..والبادئ أظلم"..!!.
فبكى أكبر وزراء الروم..حتى اخضلت لحيته..
فسأله معاوية عما يبكيه..!!.
فقال:"كنا نظن أنفسنا..أكفاء لكم في المنعة..والقوة..
قبل اليوم..!!.أما وقد رأيت في هذا المجلس ما رأيت..!!.
فإنني أصبحت أخاف..أن تبسطوا سلطانكم...
على حاضرة ملكنا ذات يوم"..!!.
وجاء ذلك اليوم بالفعل..فقد تهاوت بيزنطية تحت ضربات الرجال..فكأنها بيت العنكبوت..!!.
فهل يعود المسلمون رجالاً..
لا يخافون في الحق لومة لائم..!!؟.
وسوم: العدد 836