شَجَرَةِ.. الْمُرِّ..
محسن عبد المعطي عبد ربه
كَانَتْ أُمُّنَا.. اَلْغُولَةُ تَزْرَعُ شَجَرَةً أَمَامَ بَابِ دارِهَا ,تَأْمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ مُثْمِرَةً فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ ,وَكَانَتْ تَسْقِيهَا كُلَّ يَوْمٍ ,وَأَخَذَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ تَكْبُرُ وَفُرُوعُهَا تَنْمُو كَانَتْ أُمُّنَا00اَلْغُولَةُ وَهِيَ تَسْقِي الشَّجَرَةَ ,تُغْرِقُ مَنَازِلَ جِيرَانِهَا بِالْمَاءِ عَمْداً وَمَعَ سَبْقِ الْإِصْرَارِ وَالتَّرَصُّدِ فَيَحْزَن أَطْفَالُ الْجِيرَانِ وَيَبْكُونَ بُكَاءً مُرًّا يَغْمُرُ صَفَحَاتِ خُدُودِهِمُ الْبَرِيئَةَ وَيَفِيضُ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَى جِذْرِ الشَّجَرَةِ الْحَزِينَةِ مِثْلَ الْأَطْفَالِ وَالشَّجَرَةُ تَبْكِي بِمَرَارَةٍ وَتَقُولُ : لِمَ تَسْقِينَنِي الْمُرَّ يَا أُمَّنَا اَلْغُولَةَ؟!!! هَلْ تَدْرِينَ كَيْفَ يَكُونُ عِقَابُ رَبِّكِ ؟!!! وَكَيْفَ يَكُونُ أَخْذُهُ؟!!! وَلَكِنَّ اَلْغُولَةَ كَانَتْ كَالْمَسْطُولَةِ غَافِلَةً عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ,فَلَمْ تُنْصِتْ لِقَوْلِ الشَّجَرَةِ وَلَمْ تَتَفَكَّرْ فِيهِ وَكَانَتْ كَالْمُغَيَّبَةِ عَنِ الدُّنْيَا حَدَثَ يَوْمَاً أَنْ تَذَكَّرَتْ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ زَوْجَهَا الْغُولَ الْأَعْوَرَ الَّذِي مَاتَ عَاصِياً لِلَّهِ وَكَانَ أَنِ انْفَجَرَتْ مَوَاسِيرُ الْمِيَاهِ حَتَّى أَغْرَقَتِ الْجَمِيعَ وَأَخَذَ النَّاسُ يَجْمَعُونَ الْمَالَ لِإِصْلاَحِ الْمَوَاسِيرِ ,حَتَّى تَعُودَ الْمِيَاهُ إِلَى مَجَارِيهَا وَكَانَ مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنْ تَدْفَعَ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ مِائَتَيْ جُنَيْهٍ وَلَكِنَّهَا عَارَضَتْ وَجَادَلَتْ وَلَجَّتْ فِي خِصَامٍ , وَبَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الْجِدَالِ أَخْرَجَتْ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ مِنْ جَيْبِهَا جُنَيْهَيْنِ فَقَطْ وَقَالَتْ: رَحْمَةٌ وَنُورٌ عَلَى رُوحِ زَوْجِي الْغُولِ الْأَعْوَرِ حَزِنَ النَّاسُ مِنْ جَامِعِي الْأَمْوَالِ لِلْإِصْلاَحِ وَتَأَلَّمُوا مِنْ كَلاَمِ أُمِّنَا اَلْغُولَةِ وَبَكَوْا بِحُرْقَةٍ وَمَرَارَةٍ ,حَتَّى فَاضَتْ دُمُوعُهُمْ كَالنَّهْرِ وَفِي إِحْدَى الصَّبَاحَاتِ كَانَتْ مُفَاجَأَةٌ سَعِيدَةٌ لِأُمِّنَا اَلْغُولَةِ إِذْ وَجَدَتْ شَّجَرَتَهَا قَدْ أَثْمَرَتْ ثِمَاراً جَمِيلَةً فَاسْتَبْشَرَتْ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ وَأَخَذَتْ تَقْطِفُ الثِّمَارَ مِنَ الشَّجَرَةِ وَتُعْطِي الْأَطْفَالَ مِنْهَا وَهِيَ فَرِحَةٌ وَتَقُولٌ: خُذُوا يَا أَحْبَابِي الْأَطْفَالَ رَحْمَةٌ وَنُورٌ عَلَى رُوحِ زَوْجِي الْغُولِ الْأَعْوَرِ وَلَكِنْ كَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ الْأَخْطَرُ مِنْ نَوْعِهَا إِذْ أَخَذَتْ جُمُوعُ الْأَطْفَالِ تَرُدُّ إِلَيْهَا ثِمَارَهَا هَاتِفِينَ :خُذِي ثِمَارَكِ الْمُرَّةَ وَخَزِّنِيهَا فِي الْجَرَّةِ , فَلَنْ تَنْطَلِيَ عَلَيْنَا أَفْعَالُكِ الْخَبِيثَةُ هَذِهِ الْمَرَّةَ وَأَخَذَتْ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ تَبْكِي بِحُرْقَةٍ وَمَرَارَةٍ أَنْ كَانَتْ شَّجَرَتُهَا شَجَرَةَ الْمُرِّ وَتَصَادَفَ مُرُورُ بَعْضِ النِّسْوَةِ فَوَجَدْنَ أُمَّنَا اَلْغُولَةَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الْمُرَّةِ مِنَ الْبُكَاءِ وَالنُّوَاحِ وَالْعَوِيلِ فَقُلْنَ لَهَا : يَا أُمَّنَا اَلْغُولَةَ: مَنْ يَزْرَعِ الْمُرَّ لاَ يجْنِ سِوَى الْحَنْظَلِ.