تصريح شرفي

بعد أن تأكدت من تنصيبه على رأس لجنة السكن اتصلت بالبلدية التي تشرف على توزيع الإعانات (الجوع الحقيقي والكاذب يجتاح البلاد كلها في الآونة الأخيرة، وأرض المعجزات قد صارت موطن العجز والعجائز ، وموطن ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالرتب أيضا، والنذر تتلصص من تاريخ الخمَّاسين والبؤس الوطني المعمم، ومن تاريخ أشباه الغجر المنفيين في وطنهم طرائق قددا، وقد جفت براعم التمرد فيهم...) هيا خلّينا من التاريخ!.. هات قصتك.

قررت بعدما سمعت أن الفخامة، حفظ الله الفخامة، قد قررت هي أيضا القضاء على كل مدن الصفيح، وأكواخ الذل، وكنس كل القمامة، قررتُ أن أحمل ملفي كصخرة سيزيف إلى بلدية (بني معريف).. وهناك أودعته في مكتب رئيس لجنة السكن والشؤون الاجتماعية، سلمت له كل الوثائق المطلوبة، وغير المطلوبة، احتراسا، وبعدما فحصها سيادته طلب مني الإدلاء بتصريح الحرمان من الملكية، وأوصاني بأن أُزْهِقُ روح الشرف قربانا، ثم ناولني ورقة وقلما، وسيجارة لم أتذوق مثلها في حياتي قط ..وكلب أيضا..

تصريح شرفي:

" أنا الممضي تحتكم (أسفلكم) السيد عبد الواحد ولد الخمّاس، المولود في الجزائر العميقة جدا جدا، بتاريخ النسيان المستمر والدائم، ابن المحنة والهوان والكسرة الناشفة، وابن الإبادات الجماعية، والتصفيات الماحقات الساحقات، العنصرية منها والطبقية، والدينية، الساكن في أدمغة بني مأفون كصداع دائم، والحامل لبطاقة التخريف الخضراء،المسلمة بدائرة السوء والتجسس الإداري بتاريخ؛ تاريخكم أنتم وحدكم، أشهد (أن لا إله إلا الله) وأنني أعمل موظفا برتبة كابران شاف في نقل زبالتكم، منذ خشونة أظافري وجفاف دموعي، ومنذ وضعت رأسي تحت نعالكم المقدسة جدا جدا، وغنيت ملء حنجرتي: أناديكم أشد على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم... (أقولها جادا جدا والله وحده يعلم ما في قلبي)، ولي أقدمية خارج قطاع الشيتة (لم أعمل إلا في نبش زبالتكم ..أشبه أساتذة التاريخ كثيرا...تاريخكم أنتم) .. الحالة العائلية ناكح ومنكوح، وعدد الأولاد (عبيد المستقبل) ولد أو بنت في كل تسعة أشهر وأحيانا في أقل من تسعة أشهر، خاصة في حالات الإجهاض الديمقراطي والإنساني جدا وكثيرا، ومهنة الزوجة :هي زوجة وأم أولاد..فقط ولا شيء..

أصرح بشرفكم (كل الشرف عندكم،خاصة عندما تنزلون سراويلكم في مطارات الأسياد) أني لم استفد من أي شيء، ما عدا الهواء الملوث بأدخنة مصانعكم، وروائحكم النتنة،في قنوات الصرف، صرف أي شيء، ولا أملك سكنا ولا أرضا ولا عقارا ولا حسابا بنكيا، (ربّنا كما خلقتنا، مع بعض التعديلات الطفيفة على جلدي المنهك وعضلاتي المأجورة في خدمة معاليكم...الخ)، كما أني لم استفد، ولن استفيد من أية إعانة من الدولة العلية، رضي الله عنها ولعن أعداءها وأصدقاء أعدائها، وأصدقاء الذين ينوون عداءها إلى يوم يبعثون أو لا يبعثون (حسب عقيدة قارئ تصريحي هذا) وأصرح بشرفكم (خاصة لونوغ ديال لي كادغ ديطا...دوغيرجين) أن زوجتي (المخلوقة، أم البنين والبنات الأحياء منهم والأموات) المولودة مثلي في هذا البر الخالي بتاريخ يُحَدَّدُ لاحقا، لم تملك، ولا تملك، ولن تملك أية قطعة أرض في مساحة البلد القارة.

وعليه أتوجه إلى جنابكم ، فخامتكم، معاليكم، سموكم، جلالتكم...إلى آخر اسمائكم الحسنى وصفاتكم العلا، (زاحمتم الله في قلوب ضعاف الإيمان.. يلعن زريعتكم) أن تمنحوني قبر الحياة قبل النزول في الظلمات، وقسما بالنازلات الهابطات والنهود اللامعات الخافقات...أنني أحب وطني ولا أريد تلويث أرضه بجثتي ...امنحوني لحيتان البحر ...وبلغوها تحياتي وسلامي"

حرر بتاريخ العبودية المستمرة

توقيع مصادق عليه...

****

نظر إلي القاضي بعدما أنزل نظارته، وشبك أصابعه وكأن الماثل بين يديه قتل الرئيس أمام الكاميرات، وتساءل بصوت أسكت وشوشة القاعة، كيف ترد على التهم الموجهة إليك:

إهانة هيئة نظامية

التلاعب بالوثائق

التصريح الكاذب

التزوير واستعمال المزور

بث رسالة سياسية بدلا من طلب واضح ومفهوم

التهكم بالثوابت الوطنية

شتم التاريخ الوطني

الإلحاد وسب الذات العلية

محاولة القتل والتشجيع عليه

القذف،والمساس بالشرف

حاولت التثبت من التهم الموجهة إلي، ومتى كانت، ومتى صدرت عني، وجهت تهمة أخيرة لذاكرتي الكلبة بنت الكلب (وإن كان شتم الذاكرة قد يضيف تهما أخرى)

آآآآآآآآآآه.. تذكرت..أنا بريء ....بريييييييييييييييييييء.. بريييييييييييييييييييء

كان القاضي قد رفع القعدة...عفوا الجلسة..

***

بعد خمس سنوات يابسات انتهت فيها مشاريع مليون سكن أو يزيد، عرفت أن مطلبي قد أدرج ضمن الميزانية التكميلية لعام الجوع، وبإمضاء المبجل صاحب السعادة برميل نفط. وأيقنت بعد تشرد الأهل والخلان أن السيجارة الحاملة للجنسية المغربية والهاربة من زوج بغال .تلك التي تقاسمتها بمرحٍ مع رئيس جمهورية السكن في بلدية (بني معريف) قد أحرقت الكوخ المسمى (الوطني الديمقراطي الإسلامي نوعا ما )...