فَرَحْ
محسن عبد المعطي عبد ربه
اِنْطَلَقَ (أَبُو تَوْفِيقٍ )وَهُوَ فِي غَايَةِ السَّعَادَةِ ,يَكَادُ يَطِيرُ فَرَحاً ,لِأَنَّ اللَّهَ رَزَقَهُ مِنْ حَيثُ لاَ يَحْتَسِبُ لِيَشْتَرِيَ ) بَوَّابَةً وَثَلاَثَةَ أَبْوَابٍ لِجَرَاجٍ وَاسِعٍ ,يَأْخُذُ مِسَاحَةَ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبِيْتِ ,تَذَكَّرَ (أَبُو تَوْفِيقٍ ) قَوْلَهُ تَعَالَى :(لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) اَلْآيَةُ23 مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ , فَلَمْ يُتِحْ لِلْفَرَحِ أَنْ يَطْغَى عَلَى وُجْدَانِهِ ,وَمَعَ ذَلِكَ حَدَثَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحُسْبَانِ دَخَلَتْ (أُمُّ تَوْفِيقٍ ) عَائِدَةً مِنَ الْمُسْتَشْفَى - فَهِيَ طَبِيبَةٌ- قَائِلَةً : اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ,رَدَّ (أَبُو تَوْفِيقٍ ):وَعَلَيْكُمُ اَلسَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ,قَالَتِ الزَّوْجَةُ- فِي لَهْجَةٍ مُتَوَتِّرَةٍ - : يَا أَبَا (تَوْفِيقٍ) ,لَقَدْ ارْتَفَعَ ثَمَنُ الْحَدِيدِ , وَمَنَعُوا تَصْدِيرَ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ , وَأَخَافُ أَنْ يُصْبِحَ ثَمَنُ الْحَدِيدِ جُنُونِيًّا ,فَلاَ نَسْتَطِيعُ إِكْمَالَ الْبِنَاءِ , وَلاَ نَتَمَكَّنُ مِنْ صَبِّ أَعْمِدَةِ الدَّوْرِ الثَّانِي , تَذَكَّرَ (أَبُو تَوْفِيقٍ ) قَوْلَهُ تَعَالَى :( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً )اَلْآيَةُ30 مِنْ سُورَةِ الْإِنْسَانِ, وَصَرَفَ ذِهْنَهُ لِشِرَاءِ طِنٍّ مِنَ الْحَدِيدِ , وَلَكِنَّ النُّقُودَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً لِهَذَا الْغَرَضِ ,فَأَخَذَ يَجْمَعُ كُلَّ مَا لَدَيْهِ مِنْ مَالٍ فِي دَفْتَرِ تَوْفِيرِهِ وَدَفاتِرِ تَوْفِيرِ أَوْلاَدِهِ , وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْمَبْلَغُ يَكْفِي ,وَفَجْأَةً هَلَّ الْفَرَجُ مِنَ اللَّهِ ,وَجَاءَ مِيعَادُ صَرْفِ كَادِرِ الْمُعَلِّمِ ,وَصَارَ (أَبُو تَوْفِيقٍ ) قَادِراً- بِفَضْلِ اللَّهِ - عَلَى شِرَاءِ مَا يُرِيدُ ,ذَهَبَ (أَبُو تَوْفِيقٍ ) إِلَى سَائِقِ عَرَبَةٍ مَكْشُوفَةٍ لِيَنْقُلَ لَهُ الْحَدِيدَ وَلَكِنَّهُ اعْتَذَرَ لِأَنَّ عَرَبَتَهُ لاَ تَتَحَمَّلُ الْحَدِيدَ ,وَنَصَحَ (أَبَا تَوْفِيقٍ ) بِجَلْبِ جَرَّارٍ زِرَاعِيٍّ , ذَهَبَ (أَبُو تَوْفِيقٍ ) إِلَى سَائِقِ الْجَرَّارِ ,وَكَانَ رَجُلاً طَيِّباً مُتَفَهِّماً ,فَاتَّفَقَ مَعَهُ (أَبُو تَوْفِيقٍ ) ,وَرَكِبَا مَعاً الـْجَرَّارَ الزِّرَاعِيَّ ,وَتَحْدُثُ مُفَاجَأَةٌ أُخْرَى ,إِذْ أَنَّ (أَبَا تَوْفِيقٍ ) لَمْ يَكُنْ سَدَّدَ مَا عَلَيْهِ لِتَاجِرِ الْحَدِيدِ وَمَوَادِّ الْبِنَاءِ ,قَابَلَ (أَبُو تَوْفِيقٍ ) أَخَا صَاحِبِ الْحَدِيدِ ,وَدَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ كَامِلاً ,وَتَقَابَلَ الـْجَرَّارُ الزِّرَاعِيُّ الَّذِي كَانَ يَرْكَبُهُ(أَبُو تَوْفِيقٍ ) مَعَ جَرَّارٍ زِرَاعِيٍّ آخَرَ يَرْكَبُ عَلَيْهِ السَّائِقُ وَالْحَاجُّ / (عَبْدُ النَّاصِرِ) صَاحِبُ مُسْتَوْدَعِ الْحَدِيدِ الَّذِي خَاطَبَ (أَبَا تَوْفِيقٍ ) قَائِلاً : أَهَذَا الْحَدِيدُ لَكَ ؟!!! أَطْرَقَ (أَبُو تَوْفِيقٍ ) صَامِتاً, حَتَّى هَدَى اللَّهِ صَاحِبَ الْمُسْتَوْدَعِ, وَقَالَ (لِأَبِي تَوْفِيقٍ ) : حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْحَدِيدُ لَكَ فَلاَ مَشَاكِلَ ,وَابْتَسَمَ ابْتِسَامَةً حَانِيَةً أَسْعَدَتْ (أَبَا تَوْفِيقٍ ) فَانْطَلَقَ لِسَانُهُ يَمْدَحُ الْحَاجَّ / (عَبْدَ النَّاصِرِ) وَهُوَ يَتَحَدَّثُ مَعَ السَّائِقِ بَعْدَ أَنِ انْطَلَقَا بِالْحَدِيدِ إِلَى الْبَيْتِ.