الأوراق الخضراء
كان حلما ، ثم أخذت الأصوات تتعالى . أزاح نياجار البطانية عن رأسه وأرهف السمع . أجل . كان مصيبا . وقع أقدام ثقال وأصوات تدنو . استدار لإصحاء زوجته . لم تكن عنده . قام واندفع صوب الباب . كان موصدا . أين نياموند ؟ تساءل : كيف انسلت إلى كوخها بكل هذا الهدوء ؟ قلت لها مرارا ألا تتركي كوخي دون إصحائي . سترى غدا !
اقتربت الأصوات كثيرا الآن : هناك ! هناك !
إنها على بعد ثلاثين ياردة تقريبا . لف نياجار جسده الحسن الامتلاء بملاءة وبحث عن رمحه وعصاه وغادر الكوخ . كانت عصبة تعدو نحو بوابته . فتح البوابة واختفى وراء سياج . لم يشأ مقابلة العصبة مباشرة ليقينه أنه يتم تعقب شخص خطر . اجتاز بالبوابة ثلاثة رجال أو أربعة تبعتهم عصبة أكبر عددا فخرج من مخبئه وتعقبهم .
سمع صوت شخص يسب : سرق أولاد الحرام كل ثيراني الستة .
فرد عليه شخص آخر : لا تقلق ! سيدفعون الثمن .
لحق نياجار بالعصبة التي تتعقب اللصوص وتيقن الآن أن ثلاثة الرجال أو أربعتهم الذين اجتازوا ببوابته كانوا لصوص ماشية . صاح رجل : لا يجب أن يفلتوا .
فردت العصبة في صوت واحد : لن يفلتوا .
كانت المسافة بين الفريقين تضيق ، وكان الهلال أفل ، فأطبقت الظلمة على المكان .
حذرهم رجل مسن : لا تقذفوا أي رمح ! قد يستعملونه ضدنا إن أخطأناهم .
اتخذ اللصوص الانعطاف الخطأ ، فضلوا عن الجسر القائم على نهر أوبوك الفاصل بين أهل ماسالا وأهل ميروجي ، وبدلا من ذلك اتجهوا يمينا ، فوجدوا أنفسهم فجأة في دوامة لما أرادوا اجتياز النهر ، فتدافعوا للخروج من الماء مسرعين . انطلقت صيحة من المطاردين : إيرو ! إيرو !
وأطبقت عصبتهم على اللصوص قبل أن يلفي هؤلاء مكانا آمنا لجوْز النهر . ضرب المطاردون اللصوص بهراواتهم حتى أسقطوهم أرضا ، وازدحم الجو بعويلهم ، لكن عصبة المطاردين لم ترحمهم . ونجح أحد اللصوص في الفرار خلال الشجار والتواري في شجيرة كثاء جنب النهر .
فصاح واحد من العصبة : الحقوه ! الحقوه !
فعدا ثلاثة رجال في الجهة التي اختفى فيها ولهاثهم يتعالى . كانت الشجيرة كثاء شوكاء ، فوقفوا ساكنين يصيخون السمع . لم يسمعوا أي نأمة ، فطافوا بالشجيرة يضربونها بهراواتهم دون أن يسمعوا أي حس .
فر اللص . وأخرج لص آخر سكينا غرزه في كتف أحد المطاردين ، فسقط على ظهره والسكين مغروز في كتفه
. واغتنم اللص الهرج الذي أعقب ذلك ، فقام وقصد منطقة الدوامة لا يلوي على شيء . وشوهد وسط ذهول الجميع يسبح خلال الدوامة ناضب الجهد نحو العدوة الآخرى للنهر . وانتزع نياجار السكين من كتف أومورو ووضع كفه على الجرح لوقف النزيف . تعثر أومورو الذي كان ما فتىء تحت أثر الصدمة ونهض متزعزعا واتكأ
على نياجار وخيوط الدم لا زالت تسيل على ظهره وتبل ردفيه . كان لص لا يزال راقدا على العشب يئن . ولهروب اللصين الآخرين رأت العصبة أن تجعل هذا عبرة لمعتبر ، فضربوه مرارا على رأسه وصدره ،فتأوه وفرد يديه ورجليه كأنه يسلم الروح . صاح أومورو : آه ! آه ! لا تميتوا العدو بين أيديكم ! روحه ستستقر فوق قريتنا . دعوه يسلم الروح بعد رجعتنا إلى أكواخنا !
فامتثلت العصبة تحذيره وقطعوا أوراقا من أشجار دانية وغطوا بها الضحية تغطية مكتملة . وسيدعون في صباح الغد كل القبيلة للحضور وقبره جنب النهر . وقفل الرجال صامتين إلى بيوتهم . وكان نزيف كتف أومورو توقف ، فسار يسانده صديقان تطوعا لأخذه إلى بيته . لم يطلع النهار حتى اللحظة إلا أن عيونهم ألفت الظلمة . ووصلوا إلى بيت نياجار فألفوا بوابته لا تزال مفتوحة جزئيا . قال له صوت : لا تنسَ الصحو مبكرا غدا! يجب أن نكون هناك لمنع النسوة قبل ذهابهن إلى النهر .
ودخل نياجار بيته بينما واصل الآخرون مسيرهم دون أن يلتفتوا خلفهم . كان السكون يخيم على القرية . ولا بد أن النسوة صحون بيد أنهن لم يجرؤن على الحديث إلى أزواجهن . فكرن : مهما كان ما حدث فسيسمعن عنه صباحا . وبعدما أقنعن أنفسهن بأن أزواجهن عادوا سالمين تقلبن في فرشهن وغفون . دخل نياجار كوخه ونقب عن حقيبة دوائه فوجدها في ركن الكوخ ففتحها واستخرج منها وعاء بوص فض سدادته ، وذر منه بعض الرماد
الذي وضع حفنة منه على لسانه مزجها مزجا جيدا بلعابه ، ثم ازدردها . ووضع شيئا من الرماد على راحة كفه ونفخه في اتجاه البوابة . وبعد أن أعاد وعاء البوص إلى الحقيبة استشعر طمأنينة القلب . جلس على حافة سريره
وشرع ينضو ثيابه ، ثم بدل رأيه ، فجلس _ عوض أن ينام _ يحدق في الفراغ تحديقا خلوا من المضمون . وعزم في الختام على الرجوع بمفرده إلى الرجل الميت ففتح باب الكوخ متأنيا ، ثم أغلقه خلفه هادئا . ينبغي ألا يسمعه أحد . ولم يتردد عند البوابة ، بل مضى سادرا . تساءل : هل أغلقت البوابة ؟ والتفت وراءه . نعم أغلقها أو بدا له أنها مغلقة . كان كل شيء ساكنا سوى صوت مشئوم يتردد بين لحظة وأخرى في ظلمة الليل . ولا ريب في أن الفجر كان يقترب ، فالمرء قادر على أن يرى أشعة الضوء الذهبية الباهتة _ التي تبشر عادة بانبلاج نهار جديد _ صاعدة في الشرق من حنايا الأرض صوب السماء . قال نياجار لنفسه عالي الصوت : لابد أن في جيبه مالا لُبَدا . فهو كان يعلم أن لصوص الماشية يبيعون الماشية التي يسرقونها عند أول فرصة تعرض لهم . الآخرون الذين لم يفتشوه كانوا حمقى . وتوقف وتسمع . أهناك شخص قادم ؟ لا . كل ما هناك أنه يسمع صوت خطاه . وفكر عصبيا : ربما عاد اللصان اللذان هربا إلى مكان الأحداث الآن . لا . لا يمكن أن يكونا فيه . لا يمكن أن تبلغ بهما الحماقة أن يحوما حوله . ولاحت له كومة الأوراق الخضراء فسرى في عموده الفقري وجع
يسبب الخدر والشلل وخال قلبه توقف عن الخفقان . توقف يتفحص المكان . كان قلبه لا يزال يخفق . رائع ! كان عصبيا ليس غير . تقدم بخطا أسرع ، وأزعجه وقع خطاه . ولا حظ حين بلغ مكان القتل أن كل شيء كان مثلما تركوه من قبل . توقف لحظة محيرا وتلفت في كل جهة للاطمئنان بأنه لم يكن أحد في سبيله إلى المكان . كان المكان خاليا . إنه وحده مع الجثة ، فأحس بالعصبية ، وسأله صوته الداخلي : لم تزعج إنسانا ميتا ؟ وألح الصوت : ماذا ستفعل بالمال ؟ لك ثلاث زوجات واثنا عشر ابنا وعندك ماشية وفيرة وطعام كافٍ . ماذا تريد أكثر من هذا ؟ وشعر بعصبيته تزداد ، فكاد يتراجع حين استحثه دافع أقوى من إرادته على المضي للأمام قائلا : قطعت كل هذه المسافة لغاية واحدة ، والرجل ملقى أمامك ، وما عليك سوى وضع يدك في جيوبه لتصبح كل النقود لك . لا تخدعنَ نفسك بأن عندك مالا كافيا ! لا أحد في الدنيا عنده مال كافٍ .
فمال نياجار على الميت ، وأزال عنه الأوراق في سرعة ، ومست يده ذراع الرجل التي كانت مطوية على صدره . كانت دافئة لا تزال ، فتمشت ثانيةً برودة في بدنه ونهض . تفكر : مستغرب أن يكون الميت دافئا !
بيد أنه أقصى الفكرة من ذهنه . لعله كان عصبيا فحسب ويتخيل الأشياء .ومال على الرجل ثانية وقلبه لظهره ،فبدا ميتا على خير ما يراد . ففتش بسرعة للعثور على الجيوب . دس يده في أول جيب . كانت خالية . وفتش الثانية فكانت هي أيضا خالية فسرت في فؤاده لذعة خيبة ، وتذكر أن تجار الماشية يغلب أن يحملوا نقودهم في حقيبة صغيرة ينوطونها بخيط حول أعناقهم ، فركع جنب الميت ووجد عنقه . بالتأكيد ثمة خيط مشدود حول عنقه
تتدلى منه حقيبة صغيرة . تراقصت ابتسامة ظفر حول زاويتي فمه . ولما كان لا يحمل سكينا يقطع به الخيط قرر
خلع الحقيبة من فوق رأس الرجل . وما أن رفع رأسه حتى تلقى ضربة ساحقة على عينه اليمنى ، فتعثر عدة ياردات ووقع بلا وعي . كان اللص استعاد وعيه تلك اللحظة وما فتىء شديد الوهن ،لكن لم يكن لديه وقت يضيعه ، فتمكن من الوقوف على قدميه في المحاولة الثانية . كان بدنه غارقا في الدم إلا أنه كان صافي الذهن
، فجمع كل الأوراق الخضراء وكومها فوق نياجار ، ثم اتجه إلى الجسر الذي أخفق في تحديد موضعه إبان المعركة . ابتعد مسرعا . ليس للروح أن تفارق الإنسان في مكان الحادث . كان الفلق قد دنا . يريد أن يصل إلى نهر ميجوا في الوقت الملائم لإزالة الدماء من ثيابه . قرع أوليالو زعيم القبيلة طبل الجنازة قبل شروق الشمس لتنبيه الناس . وبعد ساعة كان أكثر من مائة من رجال القبيلة قد اجتمعوا في ظل شجرة الأوبوك حيث يجتمع كبار القبيلة عادة لسماع
القضايا الجنائية والمدنية . وبعدئذ خاطب الاجتماع يقول : اسمعوا يا قومي ! لابد أن بعضكم سمع بالمشكلة التي حدثت البارحة في قبيلتنا . اقتحم اللصوص حظيرة أوموجو وسرقوا ستة من ثيرانه الخاصة بالحراثة .
فصاح الحشد : أوه !
وتابع أوليانو : ونتيجة لذلك سال الدم . ولدينا الآن جثة مطروحة هنا .
سأل شيخ : صحيح ؟
رد أوليانو . نعم .صحيح . والآن اسمعوا ما أقول ! إننا وإن كانت شرائعنا تحرم أي قتل وحشي إلا أننا نعد اللصوص والزناة جناة . وأي إنسان يقتل واحدا منهم لا يعد مذنبا بالقتل ، بل ننظر إليه بوصفه خلص المجتمع من روح شريرة . والمجتمع ملزم بحمايته وحماية أبنائه جزاء له . وتعلمون جميعا أنه لابد من تطهير هذا الإنسان قبل أن يتصل ثانية بأي فرد من أفراد المجتمع ، لكن شرائع الإنسان الأبيض تغاير شرائعنا ، فحسب هذه الشرائع إذا قتلت إنسانا وجدته يسرق ماشيتك أو ينام في كوخ امرأتك تحسب قاتلا ويجب قتلك . لا بد أن نعامل الإنسان الأبيض في حذر ؛ لأنه يعتد شرائعه أسمى من شرائعنا . لنا أسلاف وليس للإنسان الأبيض أسلاف ، وهذا السبب في أنهم يدفنون موتاهم بعيدا عن منازلهم . وإليكم ما يلزم أن نقوم به : سنرسل ثلاثين رجلا للإنسان الأبيض لإخباره أننا قتلنا لصا . المجموعة مدعوة لإخباره أن كل القبيلة قتلت اللص . اسمعوا كلامي يا بني ! حيل الإنسان الأبيض تفعل فعلها في شعب متفرق . لن يقتل منا أحد إن وقفنا متحدين .
صاحوا : أحسن الشيخ الكلام .
واختير ثلاثون رجلا للمهمة غادروا في اللحظة إلى معسكر الإنسان الأبيض . وكان وصل مزيد من الناس _ بمن في ذلك النساء _ فكبر عدد الموجودين . وتحرك الجميع صوب شط النهر حيث يرقد الميت مغطى بالورق لينتظروا هناك مقدم الإنسان الأبيض . وتدانت نياموند من ضرتها وسألتها : أين نياجار ؟ لم أره .
فتطلعت ضرتها إلى الحشد وردت : أحسبه ذهب مع الثلاثين . غادر البيت مبكرا . صحوت مبكرة جدا صباح اليوم وكانت البوابة مفتوحة . كان غادر القرية .
تذكرت نياموند أن ندى الصباح بلل أقدامهما حين ولجتا الدرب الضيق الذي يفضي إلى النهر ، وأنه كانت هناك أعشاب طوال أثقلها الندى الكثيف حين كانتا تنحنيان في الدرب كأنهما تصليان ترحيبا بالفجر . وأرادت سؤال ضرتها أين يمكن أن يكون ذهب زوجهما ، لكنها قررت السكوت حين رأت عدم اهتمام الضرة ، وبدلا من ذلك قالت لها : لم أرتح للقط الأسود الذي اندفع أمامنا ونحن قادمتان .
_ نعم . فأل سيء أن يعترض قط درب إنسان أول شيء في الصباح .
وسمعوا صوت شاحنة فنظروا فرأوا سحابة غبار وشاحنتي شرطة تقبلان . توقفت الشاحنتان عند كومة الأوراق الخضراء ، ونزل ضابط شرطة أوروبي وخمسة ضباط أفريقيين ، وفتحوا مؤخر إحدى الشاحنتين فخرج الذين أرسلتهم القبيلة إلى مركز الشرطة .
سأل الضابط الأبيض : أين شيخ القبيلة ؟
فتقدم أوليالو ، وأردف الضابط : قل الحقيقة ! ماذا حدث ؟ لا أصدق كلمة واحدة مما يقوله هؤلاء الناس . ما الذي أرسلتهم ليخبروني به ؟
تكلم أوليالو وقورا متأنيا باللغة الدولوية ناطقا كل لفظة نطقا بينا ، وكان ضابط أفريقي يترجم كلامه . قال : أرسلتهم ليخبروك بأننا قتلنا لصا .
فقصده الرجل الأبيض سائلا : ماذا ؟ قتلتم رجلا ؟
وتبعه الشرطي الآخر في تقدمه . كرر الضابط الأبيض : قتلتم رجلا ؟
وحافظ أوليالو على رباطة جأشه وقال : كلا ! قتلنا لصا .
فأشار الرجل الأبيض إلى أوليالو بعصاه بأسلوب ينذر بالشر قائلا : كم مرة قلت لكم إنكم يجب أن تنبذوا هذه العادة المتوحشة في ذبح بعضكم بعضا ؟ لا أحد لص حتى يحاكم في محكمة شرعية تقر إدانته . شعبكم أصم . هذه المرة سأعلمكم إطاعة القانون .
وسأل غاضبا : من قتله ؟
فقال أوليالو مشيرا إلى الحشد : كلنا .
_ لا تكن سخيفا ! من ضربه أولا ؟
كان القلق بدأ يداخل الحشد فماج متقدما مهددا نحو الضباط الخمسة ، وصرخ أفراده : كلنا ضربنا اللص . إذا أردت القبض علينا فأنت حر . يجمل بك طلب المزيد من الشاحنات .
سأل الرجل الأبيض أوليالو : أين الميت ؟
أجاب أوليالو مشيرا إلى كومة الأوراق الخضراء : هاهو !
فاتجه الضابط صوب الكومة ، واندفع الحشد أيضا للأمام . أرادوا رؤية الميت قبل أن يبتعد به الإنسان الأبيض .
أخذت الشرطة جثة آخر رجل قتل في المنطقة إلى كيسومو حيث قطعت وحيكت من جديد ، ثم أعادتها إلى الناس قائلة : خذوا رجلكم ! ادفنوه !
وزعم بعض الناس أن الصفراء نزعت من تلك الأجساد وألقيت إلى كلاب الأثر ، وأن ذلك يفسر السبب الذي يجعل تلك الكلاب تقفو اللص حتى بيته .
وصدق ناس كثر تلك القصص . وهم واثقون الآن بأن الشرطة ستأخذ هذه الجثة أيضا . وأمر الضابط الأوروبي الضباط الآخرين أن يكشفوا الجثة فترددوا قليلا ثم أطاعوه . نظر أوليالو إلى الجثة غير مصدق عينيه ، ثم نظر إلى الناس والشرطة . أكان في حاله المعتادة ؟ أين اللص ؟ ونظر إلى الجثة ثانية . إن عقله سليم . كان جسد نياجار ابن عمه هو الميت ، وعصا خشبية كبيرة مغروزة في عينه اليمنى . أفلتت نياموند من الحشد وعدت نحو الجثة ، وارتمت فوق جسد زوجها ، وبكت بكاء وجيعا ، والتفتت إلى الحشد الصامت تقول : أين اللص الذي قتلتموه ؟ أينه ؟
ومع تصاعد التوتر انقسم الحشد إلى مجموعات ثنائية وثلاثية ، وشرعت النساء تعول ، ونظر الرجال الذين قتلوا اللص البارحة إلى بعضهم في تكذيب لما يرون . لقد تركوا نياجار يدخل بيته بينما ساروا هم إلى بيوتهم . يمكنهم أن يحلفوا على هذا . وبعد ذلك توسل أوليالو إلى شعبه دون أن يحاول مسح وجهه المبلل بالدموع ؛ بهذه الكلمات : يا أهلي ! حطت علينا يد الشر ، فلا تدعوها تنسف مجتمعنا ! ما فتئت روح نياجار بيننا وإن مات .
إلا أن نياموند لم تأبه لتطييبات جادونج أوليالو ، ولا صدقت الرجال الذين قالوا إنهم شاهدوا نياجار يدخل القرية عقب الحادثة مع اللصوص . وتصارعت بوحشية مع رجال الشرطة الذين حملوا جثة زوجها ووضعوها في الشاحنة لأخذها إلى الفحص في كيسومو . وطمأنها ضابط فوعدها بأن تحقيقا شاملا سيبدأ فورا في القرية في موت بعلها إلا أنها هزت رأسها قائلة : سأستمع إليكم إن قلتم إنكم ستعيدونه إلي حيا .
وقطعت ثيابها وتعرت حتى خصرها ، وسارت بطيئة وراء الحزانى تنتحب وتغني رافعة يديها فوق رأسها :
حبيبي يا بن أوشيانج ! يا بن أومولو !
سيهطل المطر ، سيهطل المطر ،
وتظلم الليالي قارسة طويلة .
يا صهر أمي !
لا أستطيع المغفرة ،
لا استطيع الصفح .
كل هؤلاء المحزونين يخدعونني الآن .
نعم يخدعونني .
لكنهم سيهجرونني متى غربت الشمس ،
وأظلم الليل .
وستحتضن كل امرأة زوجها في ساعات الليل الباردة .
لن تعيرني واحدة منهن زوجا أحتضنه في الليل .
آه يا حبيبي يا بن أوشيانج !
يا صهر أمي !
* غفل من اسم كاتبها في بوابة الأدب الصيني ( ح . ص )
وسوم: العدد 1021