صديقات أجمل اللوحات!
كُورُونا 2020
8
صديقات أجمل اللوحات!
(يوميات من زمن كرونا 2020)
بعد أن اكتشفت أن لها موهبة في السرقة، احترفت المهنة بمهارة فائقة! وتعددت سرقات اللوحات من دور صديقات أجمل العمر.
ولجت دار صديقتها حبيبة، وهي شقة صغيرة جميلة بمدينة (باريس)، الطابق الثالث، شارع (البرينيه Pyrenee)، المقاطعة العشرون. الله يراها.. صديقتها لا تراها.
كانت منشغلة، تهيئ الحريرة في المطبخ. كان صاحبها الفيلسوف في ركن، يشاهد آخر الأخبار على قناة LCI الفرنسية. الغرض من الزيارة، كعادتها في شهر رمضان، سرقة لوحة زيتية. سبق أن أخبرتها السنة الماضية أنها اشترتها من دار Roche. bobois من معرض أقامته دار التزيين المنزلي للخواص. أعجبتها الألوان، الأبيض الأحمر الأصفر. وسوس لها الشيطان بأن تنزعها من الحائط. لم يرض ضميرها بسرقة زميلة الطفولة! تذكرت المقعد الذي تقاسمته معها. وهي تتنبَّه لحصة الرياضيات، وتترقب أن تصبح زميلتها مهندسة، على حين كانت هي على خلافها؛ ترغب في أن تكون طبيبة، وتنتظر حصة العلوم، ليثبِّت الأستاذ الهيكل العظمي على السبورة، فيما هي تصغي إليه وهو يتمتم:
- ﴿فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا!﴾..
كانت تنقل رسم الهيكل بقلم الرصاص على ورقة بدقة مدهشة. تذكرت زميلتها وبنت الجيران، وأنهما في سنهما الذهبي ما زالتا على تواصل، وقد طوحت بهما الأقدار بين (باريس) و(مونتريال). وكأنهما شاهدتان على حقيقة "العالم قرية صغيرة". تتضاحكان وتحكيان عن شغب الطفولة. صادفتهما كورونا. وهما في السن الذهبي.
تطاولت يدها لنزع اللوحة. حركة الفيلسوف تخيفها، وهو يقلب القنوات LCI France 5.. تخاف.. ترتعش يدها.. لا تقوى على نزع اللوحة. سمعت صوت صديقتها حبيبة تقول للفيلسوف:
- نَفِدَ الكُزْبُر. لذة الحريرة لا تكون إلَّا بالكُزْبُر طري. وضع الكِمامة.. خرج إلى السوق المركزي. فيما هي ترتدي معطفها الرمادي المعطَّر. سقطت اللوحة! تعجبت.. لم تحرك يدها نحو اللوحة.. خار مسمارها.. سقطت فجأة. لم يعرف الفيلسوف سر سقوطها.. منشغل بالأخبار.. يحكي لصاحبته عن آخر خبر سمعه. صاحبته تعرف سبب سقوط اللوحة. تقطع حديثه.. تحكي له عن جَدِّ جَدِّ جَدِّها، الدفين بضريح (سيدي عبد الله بن أحمد)، الذي يقع عند مدخل باب بردعاين بمدينة (مكناس)، الباب الذي كان يخرج منه الحُجَّاج قاصدين (مكَّة)، وأن (العرايشي) هو لقب العائلة، الذي تداوله الناس؛ وذلك لأن جدها في رحلته إلى الحج كان يهتم برعاية الوليِّ الصالح- حسب اعتقادهم- سيدي عبد الله، ويختار له عريشًا وارفًا يستظل بظله، ويقرأ له دليل الخيرات، وكان رفاق رحلة الحج ينادونه بالعريش، إلى أن عاد إلى مسقط رأسه مكناس، صحبة الولي الصالح سيدي عبد الله... بدت حركات صديقتها سريعة في الحكي عن جَدِّها وهي تتأهب للخروج لشراء الكُزْبُر. .
في عجلة التقطت بطلةُ السرقات الفنية بهاتفها الذكي صورة فوتوغرافية للوحة وقد سقطت عن الجدار. وانصرفت في سرعة. عادت بسلام إلى دارها، وبركة سيدي عبد الله بن أحمد تحفظها وترعاها!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) أديبة وروائية كنديَّة وأكاديمية من أصول مغربية.
وسوم: العدد 1028