الضبع المتوحش
في غابة جميلة ، كثيفة الأشجار ، يغطيها بساط عشب أخضر ، مؤها عذب زلال ، نسيمها منعش ، كانت الغابة مزهوة بجمال طبيعتها ، يأهلها سكان طيبون ، تمازجت أعراقهم في طيف ألوان طبيعة المكان ، فعاشوا في أمن وآمان.
مرت الأيام والسنون والغابة تعيش زهو أيامها ، تعيش أفراحها ، حتى حلّ بالغابة ضبع كاسر ، بل حيوان متوحش ، حيوان غريب الأطوار ، اختزلت في أوصافه كل صفات القذارة في أشبع صفاتها ، فعيونه غادرة لا تعرف أصول الأمانة ، قانونه يخالف أعراف السلم وقوانين الآمان ، تراه يضرب بأعرافها عرض الحائط ، الغريب أنه ليس أقوى الحيوانات ولا أشجعها ، إن قاتل فلا يقاتل إلا في بيت ذو حصون ومنعة ، خالف شجاعة الأسد ، وخالف وفاء الكلاب ، بل هو ضبع ينبش القبور ، يغدر بفريسته.
شعر سكان الغابة بالخوف والدعر من هذا الدخيل الغير مألوف ، شعروا أن لا آمان لهم في الغابة بعد أن حلّ الخراب ، وعم الخوف ، وانتشر قتل الغيلة ، فالضبع المتوحش يفرض قانونه الهمجي غير مهتم بشريعة الغابة الآمنة ، فقانونه يأكل الأخضر واليابس.
نادى أحرار الغابة جيرانهم وطلبوا منهم مساعدتهم لحماية آمن الغابة ، ودحر المعتدي الغدار ، كي يحلّ السلام ويعم الآمان ، رغم هذا الصراح والاستجداء والمناشدة ، ظل الضبع المتوحش ، يفرض قانونه ، يستعدي في الأرض فسادا ، لا أحد يلجم جبروته وعدوانه .
هنا قرر أحرار الغابة حين أدركوا أن الضبع المتوحش لا يتغير ولا يهتم للمواثيق والعهود ، وهم يرونه يمضي يصم آذانه ، يغمض عينيه ، لا يصغي لصراخ ضعيف أو قاصر أو مريض ، فجميعهم في قانونه لحومهم مستحلة مباحة. حينها أدرك سكان الغابة أن قانون البقاء يستلزم إيقاف هذا المعتدي وكفّ يديه ؛ دفاعا عن الغابة الأمنة، ولا يتحقق هذا المطلب المشروع إلا حين تهون الأشياء والمتع والأرواح في سبيل أن تحمى كرامة ساكنة الغابة ، و حين تصان أعراضهم ، وإلا حلّ الخراب .
وسوم: العدد 1081