دم
كانت الجلسة اجتماعاً للوجهاء ورؤوس العشائر، تضم أناسا كثيرين، منهم رجل اصلاح من الحكومة، في الأربعينيات، حضر بصفته الشخصية نظراً لأنه من أهل المنطقة. ليس معروفاً عنه أنه على اتّصال بتنظيم، لا نشاط نضالي له، معظم وقته ينفقه بين المشاريع التجارية والسمسرات والسفريات لبلدان مختلفة بصفته الرسمية. بشكل تعاقدي جانبي، أي بمكن التخلّص منه في أي وقت، كان موظفاً استشاريا لوزارة.
صفّت الفناجين على الطاولات الصغيرة المتفرّقة، وامتنع القوم، رجال الجاهة المقبلون، تحت الشادر المنصوب في الساحة كخيمة مستطيلة عريضة، عن تناول الفناجين حتى يلبّى غرضهم.
الحكاية صغيرة ولو حلّت بالشرطة لقضى المتهم بالتهديد بضعة شهور في السجن، ولا احتاجت عطوة ولا أشغلت الكثيرين. لهذا السبب، غالباً، منحوا الرأي والكلمة لرجل الاصلاح.
سكت لبرهات، وتأمل السقف المهتز بفعل الريح وأطلق بصره للأفق، حيث هناك مستوطنة مدججة، كان هو شخصيا قد رافق بعد أخذه تصريحا وفودا أجنبية للاحتجاج القانوني -الاعلامي- على توسّعها مع أن شيئاً لم يتغيّر بل وصارت مستوطنتين. أصلح من جلسته وأطلق بصرامة جملة واحدة بعد تدبّر حصيف:
- أنا لا أقدر على الدم!
ولما كانت الحكاية أبسط من هذا، خلافا بين شابين وشتائم وأحدهما لوح بمسدس ليري الآخر أنه ليس عاجزاً؛ تبادل بعض الحاضرين، دلال القهوة وشابان جلسا جانبا بانتظار ترتيب المكان بعد انتهاء الكبار، النظرات.
رجعت الكلمة للعجائز الذين حلّوها كالمعتاد ثم قرأوا الفاتحة على نيّة الحل وشربوا القهوة. سيعتذر الملوّح بالمسدس للآخر ويقبّل رأسه، وبعد شهور قليلة يعود المال المدفوع لأصحابه، لكن الجملة ستلقي ضوءاً جديدا على رجل الاصلاح. سيواصل عمله "نافعا" كل مَن يمكنه نفعهم وسيحصل على منافع بدوره وسترضى الحكومة به وسيتلقي الترحيب والاستقبال حيثما سافر. لكنّ كثيرين منهم المصادرة أرضهم والعاجزون عن العمل أو السفر سيتأسفون لأن الدماء، مختلفة الأسباب والدوافع، قد تساوت..
وسوم: العدد 1082