ليلة الدخلة
أبو خليل محمد
منذ اللحظة التي تغشاها ليلة زفافهما، ولم يحصل ما كان منتظرا، أقسمت بأغلظ الأيمان أن تخدمه ولا تدخر جهدا في تلبية طلباته وحاجياته، فيما يرضي الله عز وجل. هذا ما آلته على نفسها مادامت على قيد الحياة. تفادت كلما من شأنه تعكير صفو عيشته وحياته. لم ولن تعاتبه إن نسي عيد ميلادها، إذ ستلتمس له سبعين عذرا: ضغط العمل، مصاريف البيت...أما عيد عرسهما فقد مَحَتْهُ من ذاكرتها.
كانت تستيقظ باكرا وتعد له الفطور، ثم توقظه وهي ترتشف من شفتيه الرضا والأمن والأمان قائلة له طاب صباحك سيدي وزجي الحبيب. وما أن ينتهي من الوجبة، حتى ترافقه إلى خارج البيت مودعة إياه، لتستقبله مساء بالابتسامة الحلوة والبشاشة المعهودة. ثم تحضر طاسا مملوء بالماء الدافئ فتسرع في دلك رجليه المتعبتين، وهي تداعبه و تلاطفه وتحاجيه لتخفف عنه محنته مع زحمة المواصلات المتهرئة على قلتها، وتلاسن الركاب وتراشق بعضهم البعض بالكلام المبتذل على أتفه الأشياء. هكذا كان ديدنها مع زوجها كل يوم. و مما دأبت عليه هو عدم صيام التطوع إلا برضاه، والخروج من البيت إلا بإذنه...
أما متطلباتها كزوجة، فقد قنعت بالقليل، وبما جادت به يده الكريمة. فلم تثقل كاهله ب: أحتاج إلى كذا، ويجب أن نغير أثاث البيت، لابد من أضحية لها قرنان طويلان ورأس أبيض يكسوه بعض السواد. وما قالت له يوما: انظر جارتنا، زوجة أخيك، وأختك يلبسن كذا وكذا، يمتلكن الذهب والفضة...
ساعدته وعضدته من خلال حسن التسيير والتدبير. عرفت كيف تقتصد من مصروف البيت، فلو لها ما استطاع اقتناء البيت. أما الأولاد فقد ربتهم أحسن تربية، ورعتهم إلى حين تخرجهم وولوجهم سوق الشغل.
بعد أربعين سنة من الخدمة والكفاح والإخلاص من أجل إسعاد حضرته، سألته يوما، وليتها لم تسأله:
- هل أسعدتك طيلة هذه الأربعين سنة؟
أجابها بكل برودة:
- هل تتذكرني ليلة الدخلة؟
كاد يغمى عليها وهي تتلقى هذه الكلمات كأنها خنجر يخترق أحشاءها. تسمرت في مكانها من هول الصدمة. لم تكن تتوقع من زوجها مثل هذا الكلام الجريح، فأحست بالظلم والغبن والمذلة، وتحسرت لكونها لم تسعده لبضع لحظات في حين أسعدته أربعين سنة. ما يدريه إن كان ذلك بإرادتها أو غيرها؟ اغرورقت عيناها وفاضت بدموع الحسرة والألم وندبت حظها، ثم تذكرت حديث صديقاتها عن استعمال بضاعة صينية رخيصة الثمن لرتق ما انفتق، لكنها لم تكن في حاجة إليها مادامت كانت واثقة من نفسها. فلم تقو على قول شيء واستسلمت لقدرها.