أنت مراقب
هشام جلال أبو سعدة
- أنت مراقب، .. علِمت ذلك من موثوقٍ.
موجِهًا حكيم حديثًا لصديقه رائد الكوت الذي اشتم فيه شبهة تهديد صريح، يبدو حكيم أنه يُحذره بحسمٍ بعد عودته من مقابلة الرجل المهم في الثانية وخمسون دقيقة عصرًا. أمسك بالمقعد المتحرك ليلفه في الهواء برشاقة، ليضعه مقلوبًا أمام صديقيه رائد وزياد مُعتليه بالعكس، ساندًا برجل واحدة الطاولة، ما زال يحمل في يده مشروبه الكحولي، لعلها العلبة السابعة اليوم، مُدمن كحول المُجرم.
- كنت سأُبلغه، .. طلبوا مني أيضًا تفخيخ أمكنة تواجده.. أف
قالها زياد ما زال مُستمعًا إليهما، إنما يبدو مُضطربًا متأففًا، يرد رائد منفعلًا:
- ماذا تقولان؟ .. ألهذا الحد! ..أهي ردة أم ماذا؟
- حكيم بحدة: تُبالغ في انفعالاتك ضد تصرفات الحكومة.
- زياد بلؤم: تُبالغ أيضًا في ردة فعلك ضدّْ البرامج الحوارية المُسِّفة.
- ررائد بعصبية: هم الآن لا يستحون من الصوت العالي والقرقعة، كما لا يستحون من الكلام الآبيح، والخارج عن المآلوف، ضاحكًا: سمعت منهم من يَسِبّ الدين، استّغفر الله العظيم.
- زياد متأففًا: تلك إشاعة، خرج رفاقه ومن معه يحَلفون بكُلِّ عزيزٍ وغالٍ أنه لم يفعل؛ إيه كلهم كذابون؟ يعني لا يستحون! لو حصل حتكون فضيحة بجد.
- حكيم بلا مُبالة: أيّ فضيحة يا أخي؛ .. أنت نفسك قلت أنهم لا يستحون.
يضحك رائد مُشيرًا بكلتا يديه على غيرِّ عادته مُتحدثًا بأسى عمّن يُسمُّونهم أهل الثقة والحظوة وكيف أنهم من المحاسيب، تعاملاتهم مع المواطنين كَأنَّهم جاحدون، فمنهم من يقول خلصونا من الأزمة المالية فلم تطالنا ومنهم من يجلس في البرامج الحوارية والعروض الكلامية كالديك الرومي مُنتفخًا يلعب في أصابعه
- مُعقبًا زياد: تقصد يعني إنهم مهما يفعلوا بنا، فعلينا دائمًا أن نناولهم الحذاء ليضربونا به على قفانا!
- حكيم ساخرًا: ضرب القفا بيضعف النظر.
واقفًا ناظرًا إليهم بثقة مكورًا يده اليمنى كقبضة واضعها في كف يده اليسرى مشيرًا لهم بحزم، فبان الأمر خطير مُحذرهم:
- أنتم أصدقائي.. لن تتمكنوا من اتخاذ أيِّ مواقف حيالهم، هم جبابرة.
- ماذا تقول يا رجل.. تتكلم كأنك واحد منهم.
- وماله.. حد طايل يكون من النُخبَّة والصفوة.. إيليت أفنذم.
- إذن أنتَ بالفعل واحد منهم؟
- ليس بعد.. سأعرف من هو كبيرهم.. لأكون الكبير يومًا.
- تقصد زعيم مافيا الإعلام الفضائي والواقع الافتراضي؟
- نعم سأعرفه، .. عليكم أنتم أيضًا أن تنضموا إلينا.. وإلّا...
- وإلَّا.. ماذا؟ .. صوتك يحمل نبرة تهديد؟
- كلا.. بل أنتم وحدكم ستندمون على فوات النعمة.
قالها ضاحكًا مُجلجلًا بصوتٍ يبدو فاجر، يأتي صوت نائلة من البعيد، راقصًا مُمتلئًا بالإثارة والنشوة:
- بكفاية رغي وضحك وصهللة، الحال عال والعالم كُلَّها مبسوطة، بزياداكم حوارات.
- .. الغذاء جاهز...
تناديهم ريبا من البعيد. مُمتلئات اليوم الساحة الاحتفالية والمسار المشهدي بآشباه البشر. لا يقتربون. إنما يقترب سَليم حَديد رئيس الندلاء من مكان ما هم جالسين ليبعد الحيوانات الضالة التي تحاول الاقتراب من جديد، .. زاعقًا فيها سِليم: ياساتر، هي ناقصة حيوانات ضالة كمان.
تمت