بلساني أكتب عنواني

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

ألف سنة عشتها لحظة , ألف ميل قطعتها في خطوة.. جسدي أحمله بيدي أضعه في كيس و أمضي به.. جسدي ألقيه في اليمّ أغرقه ولكنّه يعود لي.. أطرافي ترتعد , ترتعش لا تسكن لا تنضبط ترتفع تنخفض تبتعد تقترب وتصفّق وترقص..

تارة تارة ... كلّنا حيارى..

تارة تارة ... كلّنا سكارى..

ألف باب خلف الباب, ألف كتاب فوق الكتاب.. كان هنا  صار هناك .. كان هناك أصبح هنا..

الأرض تهتزّ وأنا أهتزّ, البرد حولي وأنا بردان , الماء تحتي وأنا عريان, أركض كحمار وحشيّ, أبرطع كحمار أهلي ..

العصا تلاحقني تمتدّ خلفي تدغدغني في بطني, في ظهري وفي دبري.. سقط اللّيل فغشّاني, وقع السواد فأعماني بيدي أتحسّس عنواني, بأناملي أكتب يحيا وطني الّذي عرّاني من هويّتي وقال حمار وأتان, وبلساني أغنّي وطني يا أغلى الأوطان  كلّ شيء يهون من أجل السلطان..

 ـ الباب .. قال ..

 ـ أيّ باب.. قلت..

فقال..

 ـ غبيّ وأعمى..

فسكتّ..

 ـ الباب.. قال..

 ـ أنا لا أرى بابا.. قلت..

 ـ وطويل اللّسان... قال..

فسكتّ..

صفعني..

فضحكت....

صفعني أخرى..

فقهقهت..

لكمني في صدري..

فبصقت عليه ولعنته..

قال..

 ـ أخرجوه..

قلت..

 ـ لست في بيتك.؟

قال..

 ـ أخرجوه من هنا؟

قلت..

 ـ أنا أولى منك بهذا المكان..

صاح..

 ـ نادوا الشّرطة..

فتبسّمت وقلت..

 ـ مسكين جبان.. 

 ـ سأضعك في الحبس..

قال وهو يرتعش ..

 ـ الحبس للرجال ..

قلت ساخرا..

تهاوى وتداعى على مقعده فتح الدّرج , أخرج علبة دواء ويداه ترتعدان وعيناه تلمعان و وجهه ينضح عرقا.. ثمّ وضع حبّة في فمه وزاد أخرى وشرب جرعة ماء طويلة..

فقلت له..

 ـ حالك "يسخّف" والله مسكين..

ثمّ أضفت..

 ـ سأذهب ولكنّي سأعود إليك فانتظرني في كلّ لحظة.. الحساب.. الحساب..

ثمّ خرجت..

قال لي ..

 ـ إسمك..

فقلت ..

 ـ البطاقة عندك..

فقال..

 ـ إسمك وعنوانك..

قلت..

 ـ البطاقة عندك..

فقال لي ..

 ـ قف هناك قرب الحائط..

ذهبت..

فقال..

 ـ إرفع يديك..

فقلت ..

 ـ لن أرفع..

فقال غاضبا ..

 ـ إرفع يديك وإلاّ ...

قلت في نفسي لن أرفع وليكن ما يكون؟

 ثمّ قلت بثبات..

 ـ لن أرفع يدايا وإن قطعتوهما..

فنظر إليّ لحظات, ثمّ قال بهدوء..

 ـ تعال..

وقفت أمامه..

فقال وهو يتصفّح بعض الأوراق أمامه..

 ـ رأسك كاسح .. كيف بعضكم رؤوسكم مثل الحجر..

وصمت قليلا ثمّ قال مستغربا ومتعجّبا..

 ـ أمّكم واحدة ولاّ كيفاش؟..

فقلت مبتسما..

 ـ أجل أمّنا واحدة لا غير إنّها "المطويّة" أرضعتنا اللّبن المالح..

وأطعمتنا الكبرياء والحجر..

فقال ..

 ـ يكفي يكفي.. تاريخكم يشهد؟..

فقلت متمتمتا..

 ـ نعم تاريخنا يشهد وتاريخكم يكذب..

فرمقني بطرف عينيه وقال..

 ـ من الذي يكذب؟؟..

فقلت مسرعا..

 ـ الذي يكتب التاريخ ويروّجه..

قال متسائلا؟..

ومن يكتب التاريخ؟..

فقلت ضاحكا..

 ـ لست أنا و ..

ورنّ جرس الهاتف فجأة  فرفع السماعة إلى أذنه وأشار إليّ بالإنصراف فخرجت..

قال..

 ـ قف..

فوقفت..

قال..

 ـ أنزل ..

فنزلت..

قال..

 ـ تعال..

فتقدّمت..

قال..

 ـ "فش العجل"..

فرفضت..

قال ثانية..

 ـ "فش العجل"..

قلت ..

 ـ لماذا؟

قال..

 ـ هكذا؟.."فش العجل"..

قلت بحزم..

 ـ لن أفعل وإذا أردت أن تفعل فافعل ذلك أنت..

قال..

 ـ دع "البيسكلات" ..

فقلت ..

 ـ لن أتخلى عنها..

إقترب منّي نظر في وجهي وضع يده على كتفي..

وقال..

 ـ كم عمرك؟.

فقلت..

 ـ أكبر ممّا تظنّ ..

فقال..

ـ من أين أنت؟.

قلت..

 ـ من هناك؟.

فقال وبدأ الغضب يرفّ عليه..

 ـ من أين من هناك؟؟.

فقلت ..

 ـ أنا...

فقال كاتما غضبه..

 ـ أنا.. أنت من جماعة "الله يكثرّكم حتّى في الحبس"..

فقلت ساخرا..

 ـ أجل أنا واحد منهم..

فقال وهو يبتعد عنّي..

 ـ هزّ "بيسكلاتك وبرّة" وأشار بيده..

قال لي..

 ـ رأيت هذه..

وأشار إلى غرفة في آخر المركز صغيرة وضيّقة جدّا وعليها باب حديديّ مرعب..

 ـ ... اللّيلة تبات هناك..

فسكتّ..

العصا على ظهري..العصا على صدري على بطني على مؤخّرتي.. حجر يتساقط عليّ رصاص يصبّ فوقي, ألتهب , أشتعل, أحترق..أح..ت..رق..

المطويّة /  التونسيّة..

·        المطوية.. قرية بالجنوب التونسيّ عرفت بالشكيمة والأنفة وتميّز أهلها بصعوبة المراس وعدم الأنقياد وتضخّم الذّات..كما إمتازت عن القرى المجاورة بلهجتها المتفرّدة والمتعالية.  وقد لعبت هذه القرية أدوارا كبيرة أيّام الإستعمار وكذلك

أيّام بورقيبة وفي عهد المخلوع زين العابدين بن علي ... ممّا جرّ عليها ويلات الا ستبعاد والتهميش...