غازية
محمد الخليلي
وكأنها تعد حروفها فلا تتكلم إلا القليل المفيد ، وإذا سُئلت عن شيء ما اقتضبت الجواب وكأنها تنظم شعراً .... قلت لها كم عمرك ياخالة ؟
قالت : تناديني بخالة وأنت أكبر مني سناَ !
قلت : وكيف ؟
قالت : لاتنظر إلى ضفيرتي البيضاء وشعركَ الذهبي فالعبرة بهوية الأحوال المدنية .
قلت : مهما كانت النتيجة أعتبر نفسي قد حققت إنجازاً بأن جعلتك تسألين سؤالا وقد كنت تمتنعين عن الإجابات ... المهم كم عمرك (يللي مش خاليتي ) ؟
قالت : قل لي أنت أولا .
قلت : احتفلت قبل أيام بالعيد الذهبي .
قالت وأنا يلزمني ست سنوات حتى أبلغه ... ولمَّا شبَّكتُ عشري على رأسي سألتني : هل أدهشك صغر سني ؟
قلت : لقد خمنتك ستينية!
قالت : اسمع ياابن أخت ربما السنون جعلت من عجوزا .... فقد قُطعت ساقي اليمنى قبل سنوات لمرض السكر، ثم قطعتْ شظية دبابة في مدينتي درعا حيث ولدتُ ساقي الأخرى وهاأنذا كما ترى مقعدة.
قلت لها : فهل غزوتِ ؟
قالت : أبداً .
قلت : فعلامَ قذيفة دبابة ؟
قالت : كنت أغسل حوش الدار فإذا برجلي تطير خارج المنزل ولعلها اشتاقت ليمناها لتسكنا الجنة معاً .
قلت : فأنت غازية فعلاً .
قالت: اسماً ومعنى معاً ورحم الله أبي إذ سماني كذلك ... كم كان حدْسه عالياً !
قلت : لعلك تكلمتِ اليوم عن سنة كاملة وربما كبيسة أيضا ، أليس كذلك ؟
قالت : بل عن عَقد ......... ثم ضحكت ضحكة رجت لها أرجاء غرفة العناية المركزة بل المشفى الإسلامي كله .
قلت : اليوم عرفت فقط أنَّ لك لآلىء تختبىء خلف مبسمك وتعكس على سحنتك السمراء رونقا سحريا ... فقاطعتني قائلة : صَهْ فلو سمعك أبو صايل لمزقك إرباً ..
قلت : ولمَ مادمت خالتي ، ألست كذلك ؟
قالت ولكنه يغار كثيراً .
قلت : فليغر من كل الرجال إلا مني فأنا أخوك وابن أختك أيضا ... ثم مااسمه قلت أبو ماذا ؟
قالت : أبو صايل .
قلت : إذاً أنتم عائلة مجاهدة ... غازية وصايل وأبو صايل ... جميل جداً ... وما اسم أولادك الباقين ؟
قالت: جهاد ومناور وخولة وأسماء وذو الفقار ومحمد ومجاهد وصفية وخالد وعكرمة والخنساء و... فقاطعتها ووووماذا أكل هؤلاء المجاهدون متى أنجبتموهم ؟
قالت : خلال ثلاثين عاما.
قلت : وهل من واوٍ أخرى بعدُ ؟
قالت : ماذا تعني ؟
قلت: أعني هل من مجاهدين جدد آتين قريباً .
قالت بكل حزم وعزم معا : ولمَ لا وقد ابتلعت الثورة السورية المباركة أكثر من مئة ألف شهيد !
قلت : إذا اليوم جئتك مهنئاً بصحتك بعد بتر ساقك الثانية ، وهذا هاتفي لتتصلي بي يوم يقدم المجاهد الثالث عشر إن شاء الله .
قالت فمن أنت بالله عليك ؟
قلت وأنا أوصد الباب بوجهي : طبيب نفسي ولكنه لم يدرس الطب في الجامعات ولكن من حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ يقول : عبدي مرضت ولم تعدني .........
أغلقتُ الباب بكل هدوء ثم انثنيت داخلا الغرفة التالية على جريح سوري آخر لاأعرفه .....