الوحش!
حيدر الحدراوي
ضخم الحجم , طويل القامة , يكسوه الشعر الاسود , تخشاه كل الحيوانات , ويخافه الانسان , لقد سئم الوحدة , فأخذ يبحث عن اصدقاء , لم يجد , ولم يعثر على احد يقبل بصداقته , فقد كان مخيفا , مرعبا .
ذات يوم , قرر ان يبني سورا مربعا كبيرا , وقرر ان يصطاد بعض البشر , فيضعهم فيه , كي يتسلى بالنظر اليهم , حالما اكتمل البناء , توجه نحو القرية , في الطريق , شاهد عجوزا تسير ببطء وتثاقل , وطفلين يجريان حولها , ازعجوها كثيرا , حتى وقعت نظاراتها , فلم تعد ترى شيئا , اقبل عليهم , هرب الطفلان حينما شاهداه , وتسمرت العجوز في مكانها , تصرخ فيهم :
- نظاراتي ! ... لم اعد ارى شيئا ...
لكن الطفلين لم يعيراها اي اهتمام , واطلقا ساقيهما للريح , اقترب منها الوحش , وامسكها بكفه الايمن , بالكاد ملأته , ثم ذهب ليضعها في ذلك السور , وعاد الى القرية , فشاهد ابا واما يصطحبان اطفالهما في نزهة , فاجئهم بطلته المرعبة , لم يفلحوا بالهرب , لكن الاب تقدم نحوه , صارخا في زوجته :
- خذي الاطفال واهربي ! .
لملمت الام اطفالها وهامت بالهروب , لكنها شاهدت الوحش يقبض على زوجها , قبضة محكمة , ورفعه في عنان السماء , فأخذت بالصراخ :
- زوجي العزيز ... ! .
فرد عليها :
- امحتونه ! ... زوجتي العزيزة ... اهتمي بالاطفال ... لا تتزوجي غيري ... ارجوك ... فأني لن اعود ! .
جمع الوحش خلقا كثيرا من البشر في ذلك السور , واخذوا يصرخون يريدون طعاما , فجلب لهم الكثير من الحشائش , فقالوا له , نريد فاكهة , خضراوات ... الخ , فهرع الى القرى المجاورة , ودخل سوق الخضراوات , فزع الناس وهربوا , تركوا كل شيء , فتناول كل شيء , حمله وانطلق به الى اسراه ! .
أكلوا وشربوا , ونالهم العجب من سذاجة هذا الوحش العملاق , الذي كان جالسا خارج السور , يتفرج عليهم ويبتسم , فكلم احدهم :
- ما اسمك ؟ .
- بني ادم ! .
ضحك بقهقهة عالية , وسأل رجلا اخر :
- ما اسمك ؟ .
- بشر ! .
فضحك بصوت اعلى , كأنه فرح بكسبه للاصدقاء , فسأل ثالثا :
- ما اسمك ؟ .
- انسان ! .
كانوا في اجوبتهم يستغفلونه , يتذاكون عليه , فضحك حتى سقط ارضا , فقالوا له :
- لماذا تضحك ؟ ! .
فأجاب :
- البني ادم كالبشر ... وكذلك الانسان ! .
ضحكوا بدورهم على سذاجته , فتقدم احدهم ليطلب منه :
- ايها الوحش ... نريد لحما ! .
- لحم ... ما اللحم ... واين اجده ؟ .
- اصطد لنا بعض الحيوانات ... واجلبها لنا لنأكلها .
- حسنا ! .
اسرع نحو الغابة , غاص فيها , واختفى بين اشجارها , غاب طويلا , الا انه عاد اخيرا محملا بأشياء اخفاها خلف ظهره , وكأنه اعد مفاجئة لأسراه , فقالوا له :
- هل جلبت ما طلبناه ؟ .
- نعم ... لقد جلبت لكم سبعة حيوانات ! .
سحب يده اليسرى من خلف ظهره بهدوء , فأذا فيها سبعة ذئاب , لا تزال على قيد الحياة , اطلقها في وسطهم ! .