العين بالعين
عبير الطنطاوي
دخلت الشبيحة بيته .. بأيديهم الحراب كأنهم شياطين قتلة .. بل هم شر القتلة .. وجوه سوداء قاسية .. قلوب من حجر الصوان .. عيون تقدح شرراً وتقطر حقداً .. دخلوا يلعنون رب السماء ويشتمون عباد الله في الأرض ويقذفون بكلامهم المحصنات الغافلات المؤمنات .. يزبدون ويرعدون كأحقر ما خلق الله على وجه البسيطة .. وجدوا في البيت أباً وسبعة من الأبناء الأطهار الضعفاء غمز الواحد منهم في وجه الآخر .. وبدؤوا لعبتهم القذرة .. وبدأت أصواتهم تعلو أكثر فأكثر :
ـ صفوا يا أولاد الـ ..... صفوا في مكان واحد .... والله لندبحكم واحد واحد يا أولاد الـ ......
ركض الأب وهو رجل في منتصف الستينيات من عمره يصف مع عياله .. إلا أن أولاد الشياطين أخذوا يجرونه جراً وهم يضحكون ويصيحون :
ـ والله لنحرق قلبك يا ........ عليهم .. والله لندبحهم ونخليك تشوفهم واحد واحد عم يتعذبوا قدامك .. والله لنخليك تدور بالشوارع تحكي كيف كل ولد من اولادك اندبح قدامك ..
وبدأ الهرج والمرج .. وبدأت المجزرة الرهيبة .. وبدأت الأصوات والصراخ والعويل ينتشر في أرجاء المنزل المنكوب ... وأخذت الدماء تنتشر في كل مكان وبدأت الجدران تتلطخ وتصطبغ باللون الأحمر القاني .... والأب يتوسل ويقبل الأرجل :
ـ مشان الله ادبحوني معهم ..... مشان عيون بشار قتلوني قبلهم ..... الله يرضى عليكم ياأولاد الحلال موتوني قبلهم ...
وهم ـ من لا وصف لهم ـ يضحكون ويلعنون ويذبحون ....
وماهي الا لحظات حتى انتهوا من مهمتهم في ارتكاب المجزرة .
وخرجت الشياطين من المنزل .. لتمارس عهرها في منزل آخر ...
وبعد ساعة استطاع الجيران أن يتأكدوا من خروج الأنجاس من حارتهم فهرعوا ألى البيت المنكوب ليروا ما حصل ... خاصة وأن صوت الأب يعلو ويعلو بالصراخ والعويل ... ولما دخلوا عليه وجدوه قابعاً في زاوية من زوايا البيت يرتجف وينتحب ويبكي ويولول ... وعندما وجد الرجال يقتربون منه ليواسوه ويساعدوه .. بدأ عويله يعلو :
ـ ابتعدوا .. ابتعدوا .. أنا من فعل هذا بالأولاد .. أنا من ذبحهم واحدا تلو الآخر .. أنا من قتلهم أنا بيدي هدول قتلتهم ..
حاول أحد الرجال الاقتراب أكثر لكنه أخذ يصرخ ويقول :
ـ أنا أنا أنا .. أنا في الثمانينيات في عهد الظالم حافظ الأسد كنت مع شبيحة الكلب الله لا يرحمه دخلت على بيت فيه أب وسبعة أولاد وبدأت أتفنن وأتلذذ بتعذيب الأب بذبح أولاده السبعة واحد واحد أمام عينيه والأب يتوسل ويبكي كي نقتله معهم أو بدلاً عنهم وأنا أصرخ به وأسبه وألعنه وتركته يبكي ليعيش ويحكي للناس عما فعلته به ...
وتعالى صوته :
ـ أنا قتلت أولادي انتقم الله مني بأولادي ..