موقف محرج

سمر حامد العامودي

سمر حامد العامودي

سَأَلتهَا صَديقتها ماجدة وَهي جارتها أيضاً: كيف حال عمتك عندما زُرتِها بالأمس يا سهير هل هي بخير؟؟

أجابَتْها سهير: نَعم بخير والحمد لله ، واسترسلت سهير في كلامها! فقد رجعتُ من المستشفى أنا وابنة عمتي مها نقول لا حول ولا قوة إلا بالله لرؤيتنا ما أحزننا من مصائب الناس، وسكتتْ هنيهة مطأطأةً رأسها قائلة: حصل البارحة يا ماجدة في الباص الذي ركبت، موقف لم أتوقع أن يحصل لي ولن أنساه طوال حياتي فقد كان محرجاً جداً لي.

وأخذتْ تسردُ لصديقتها ماحصلَ معها منذ أنْ ركبتْ ذاك الباص، حيث قالت: عندما  روّحتُ أمس أنا وابنة عمتي مَها، كنا نجلسُ على مِقعدٍ واحد، وكان الباص مزدحماً، وبعض الرجّال وقوف.

وبعد برهةٍ بسيطة، أخذ السائق بالتوقّفَ تدريجياً، كما يفعل أي سائق باص ليركب الناس، وكان وقوف سائقنا من أجل فتاة فركبتْ، فأجلسها شاب مكانه، فقلتُ لإبنة عمتي: إذا جاءت إمرأة أخرى فسوف نجلسها بجانبنا ونلتصق قليلاً، فالمسافةُ الباقية ليست

بعيدة, هل إتفقنا؟؟ وما كدتُ أنهي جُملتي حتى لمحتُ إمرأة تقفُ بُِمحاذاةِ الشارع تنتظرُ وقوف الباص لها، وفعلاً، توقفَ السائقُ لحظةً، لتصعد تلك المرأة.

فالتصقتُ بابنة عمتي -كما اتفقنا سابقاً- وتركتُ مساحةً بسيطةً للراكبة الجديدة، وما كدتُ أشير لها للجلوس بجانبي، وإذ فوجئتُ بحجمها ، وانتابني الضحك المفاجىء الخفيّ، ومها تهزني بكتفي وتقول: أتحصرينني في المقعد من أجل هذه المرأة حرامٌ عليك؟. فقلت لها من أين لي أن أعرف انها بهذا الحجم ولكن! ما أشد أسفي عندما لمحتُ هذه المرأة، وهيَ ترمقني بنظراتٍ متلاحقة، ولا تستطيع الكلام، حتى أجلسها أحدهم وارتاحت في مقعد لوحدها وجوانب جسمها تتدلى قليلا خارج حدود المقعد، ولا ترفع ناظرها عني، مما أشعرني بالخجل والقلق معا، وأنا لا أريد أن أسيء لها بأي شكل من الأشكال.

ولكن! ماذا أفعل؟ وسيلٌ من اللعناتِ التي لا ترحم، تنهالُ عليّ وعلى مها، لم أفهم منها شيئاً. إلا أنها قالت وهي تشير بسبابتها نحوي: ألم ترِ وأنت في هذا العمر، إمرأة مثلي؟؟ وقطّبت جبينها حتى التصق حاجباها معاً.

نظرتُ إليها بشيء من الخوْف والتردّد، محاولةً الدفاعَ عن نفسي.

وتأمّلتها قليلاً، فإذا هي عن ثلاث نساء منْ حجم أمي، وتلعثمتْ الكلمات أخالها لا تُفارقُ شفتايْ، وأفتحُ فمي وأغلقهُ دونَ أن تصدر تلك الكلمات، هذا من جهة! ومن جهة أخرى، صِرتُ محطةً لأنظارِ جميع الركابْ، حتى أنني أخالهم قبل وقت قصير يغادرون الباص كل دقيقتين. أما الآن! لا أرى الباص توقف البتة، كأنهم متفقون على النزول في محطةٍ واحدةٍ وهذا نادراً ما يحدث.

ومرّت الدقائق كأنّها ساعات، فقررت سريعاً أن أنزل قبل محطتي لعلّي أخفف من هذا الموقف المحرج الذي وضعتُ نفسي فيه من غير قصد.

وعندما أشرت للسائق بالتوقف فوجئت أن نصف الركاب نزلوا وكأنهم ينتظرون إشارتي للسائق. هكذا تخيّلت طبعاً. وفي هذه المحطة، وقفنا في الشارع أنا وابنة عمتي، ولا زلنا بعيدين عن البيت.

وما أن أدرتُ نفسي لأرى مكاني ، وأين مكاني بالضبط، حتى شعرتُ بشيءٍ ثقيل حطّ على كتفي، نظرتُ فإذا المرأةُ بذاتها على موعدٍ معي فحاولتُ الابتسام قليلاً على ارتباك مني وقلت لها: يا أختي- وأنا فعلاً اشعر كأنها اخت لي-. والله ما كان قصدي أن أضحك منك أبداً، ولكنْ! ضحكتُ على الموقف ذاته، وللأسف تحاول هي ألا تسمعني وتنهال عليّ بكلامها القاسي واللاّذع. مثل: عيبٌ عليك أنا لم أختر نفسي هكذا. وأنا بدوري أحاول أن أهدأها وأتودد لها وأعتذر منها. وابنة عمتي تحاول أيضاً. وتجمهرَ حولنا بعض الفضوليون، ومنهم من تدخّل بكلامٍ جميلٍ بنيّةٍ حسنةٍ. وصرتُ أحلف لها أيْماناً كثيرةً لم أحلفها بشهر، أنني لم أقصد الإساءة لها إنما التصقتُ بابنة عمتي وفسحت لها مكانا صغيراً ولم أدر أنها بهذا الحجم.

وقلتُ لها باكية أعذريني وسامحيني، وفعلاً فأنا خفتُ من الله كثيراً، أن أكون تسببت لها بالأذى.

وكان هذا آخر ما قلت، وتركتُ الجمع المتجمهر، وخرجت من بينهم، ومها تلحق بي بخطوات كبيرة علّها تصلني ولكنها لا تستطيع، ولا أدر كيف وصلتُ بيتنا ودموعي تسيل غزيرة على خديّ. وأسمع دقات قلبي بأذني، ولا يسكتُ لساني عن الاستغفار، أستغفر الله العظيم.