الزوجة الخامسة

سمر حامد العامودي

سمر حامد العامودي

أبو سالم رجلٌ ثريّ، في الخامسة والأربعين من عمره، معتدل القامة، أشيب الشعر، خفيف اللحم، أنيق في لباسهِ، يضع نظارة على عينَيْه لضعفٍ فيهما، ويُصلي الفرائض الخمس، محبّاً للخير، ولكن! على طريقته، كما يريد هو، أي انه لو اختلط عليه أمر ما، ليس له مستشار إلا أبو سالم هو نفسه، وإن احتاج حلّ لمشكلة ما، يكون الرأيُ النهائيّ له. إذاً فهو رجل لا يثق بأحد، وملخص تجارب حياته وخبراته في مجالات الحياة هي قاعدته التي يستند عليها، ويبني ما شاء أن يبني من طموحات بعدها، ويحب عمله كتاجر ، لذا فهو نشيطٌ  دائم الحركة ، كارهاً للكسل  والخمول، وطبيعة عمله في تجارة الأراضي والعقارات يجعل علاقاته الإجتماعيه واسعه جدا.

وما يتميّز به أبو سالم، أنه متواضع مع جميع الناس ، ويتصف بعادات محبوبه أيضا، فهو كريم مع أقاربه ومعارفه وأصدقائه، وربما طمع فيه كثير من الناس ممن يعرفونه، ويعرفون حجم ثروته، وخاصة  الفتيات اللواتي يرغبن في العيش الرغيد والرفاهية، ومن منظورهن هذا يحققن السعادة ولا ريب في ذلك عندهن.

وهولا يقاوم هذه الرغبات ولا يرفضها- وهذه من خصاله المرفوضة- فإذا ما قُدِم له عرض زواج من بعض شركاءه أو أصدقاءه، لا يفتأ يفكر فيه ويأخذه بعين الإعتبار، وهذا العرض إمّا أن يكون لجمال فتاة أو حَسبها وشرف نسبها. لذلك، عنده أربعاً من النساء، ولا يتوانى في طلاق إحداهن مثلا للزواج بغيرها، إذا ما عُرضت عليه.

فأم سالم أم أولاده الخمسة يحبها ويحترمها وهي بالتالي لا تبدي أي اعتراض في تصرفاته مهما كانت! ويَعجب منها نساءُ الحي وقريباتها كل العجب! فمقولتها المشهورة التي لا ترُوق لهنّ -أنه مادام يُعطيني ما أريد ولا يَرد لي طلب، لماذا أعارضه فيما يريد-.

لذلك لم تعارض على زواجه من امرأته الثانيه، سعاد، وهذه الأخيره تُخالف أم سالم في اعتقادها . ولكن أبو سالم هيهات هيهات، فهو يعمل ما يحلو له ما دام مقتنعاً به، ولا يأبه بأيّ اعتراض  من أحد مهما كان، وهكذا أتت مُنى، زوجته الثالثة، فالرابعة، خلال خمس سنوات من بعد زواجه من أم سالم، وإنجابها سالم طفلها الأول. وهنّ أي الأربع نسوة كل واحدة منهن تعيش في بيت مستقل عن ألأخرى في نفس العمارة، ويعشن العيش الهانىء، التي ترغب بها كل امرأة، إلاّ أن هناك ما يقال له ضّره، أو الزوجة الثانية، وهذا ما يُنغّص- بعضَ الشيء- عليهنّ العيش، وأنجبن الأولاد والبنات في هذه السنوات القليله.

وفي يوم من ألأيام حصل ما لم يكن في الحُسبان عندهن، فبعد مرور عدة سنوات على استقرار أبي سالم وعدم زواجه، تعرّف على فتاةٍ جامعيةٍ إبنة أحد أصدقاءه وأعجب بها أيّما إعجاب، وحكى لها  عن نساءه، عندما اتفق مع أبيها على خِطبتها، وهيَ عَرفتهم من خلال حديثهِ عنهنّ،   ولم تبد أيّ اعتراض على ذلك، وطبعاً أبو سالم حكى لنساءه ما نوى عليه، وكل واحدةٍ منهنّ على حدا. وهنا! من التي سيطلقها أبو سالم لتحل محلها الفتاة الجامعيه الجميلة (شذى).

دام قلق أبو سالم مدة أسبوعين أو ثلاث فقط، وبات القلق على نسائهِ الثلاث، إلاّ أم سالم فهي تعلم كل العلم أن أبو سالم يقدرها ويحترمها فهي أولى نسائه، ولها معّزة خاصة لديه، لا أحد يعلم كنهها.

ولم يدم طويلا هذا القلق، فقد اقترحت شذى على أبي سالم أن يطلق آخر نساءه، وبرّرت لَه السبب أنه لم يكن عندها غير طفل واحد وهي أقل نساءه عيشاً معه، وأكثرهنّ افتعالاً للنكد، لا لشيء ولكنها متقلبة المزاج بطبعها وهو كما يقول دائما  (مش فاضي للنكد) وفعلاً اقتنع أبو سالم، وكان الطّلاق.

وهنا بدأت حياة تختلف عند إبي سالم بعض الشيء بعد زواجه من شَذى، فهيَ ليستْ كنساءه الأربع, كان طموحها كبيرً في أن تشارك زوجها  في بعض أعماله، فخصّ لها مكتباً كمساعدة له في إدارة أعماله، فهي أكثر نساءه تحصيلاً للشهادات والثقافة، وهي نشيطة في عملها كزوجها، وعندها من الطموح في كل شيء، الكثير.

كثيراً ما كان يمتدحها عند زوجاته وأصدقاءه و يفاخر بها.

ولكنها كسائر النساء تريد أن تصبح أمّاً، ولم تستطع الصبر أكثر من سنتين دون أطفال، سبحان الله! جميع النساء يحسدنها على ما وصلت إليه ولا ينظرن إلى لهفة قلبها، إلى الأولاد، حتى وإن انشغلت في شتى الأعمال، وليس هناك من تشكو همها إليه، إلا صديقة لها مقرّبة، كانت تخففُ عنها، وتبث فيها الآمال كلما التقتْ بها، وكلما نظرتْ في عينيها المحزونتين .

وهذه الغيمة السوداء هي التي كانت تحجب السعادة والنور إلى قلب شذى، وكلما رأت طفلاً صغيراًً أو بنتا صغيرةً تلعب. وهذا الأمر كان يؤثر سلباً على أبو سالم فهو ليس بحاجة إلى أولاد، فعنده من النساء الأربع ما يكفيه، وليس أيضا بحاجه إلى أدنى نكد في حياته.

 وبعد عدّة محاولات من العلاج  باءت بالفشل منْ أجل إنجاب طفلاً، زاد اليأس عندها وباتت نَكِده أغلب أوقاتها، إلا أنه لا يؤثر هذا سلبا في حَياتها العملية.

وفي ذاتِ يوم سَمعتْ من إحدى ضرائرها أن أبا سالم سيُسافر بعدَ أيام قليلة إلى سُوريا، وهذه الضرة مشهورة بين قريناتها بأنها تتكلم كثيراً, وتُحب التعليق على الكلام، ولكنْ شذى فهمت باطن الكلام ما لم يَسُرها أبداً، واستعدّت لِمواجهة أبي سالم في اليوم المخصص لها مِن أيام الأسبوع فتزيّنت، وانتظرت، وما إن صار وقت مجيء أبو سالم بعد أذان العصر، حتى كان الشيطان قد استحْكم على قلبها فصار أشبه إلى البركان منه قلب  امرأة مثل شذا، فهو يكاد ينفجر، وأخذت تُهدّئه ُبالزفراتْ المتتابِعة منْ فمها إلى أن دقّ جرس الباب، وكادت تقفزُ من على كرسِيّها الأدنى إلى البابْ الدّاخلي، واستنشقت كَميه منَ الهواء، تبغي النفس العميق من أجل الهدوء، وزفرتها بهدوءٍ بالغ، وفتحتْ الباب بابتسامةٍ تكاد تتلاش وتختفي قبل ظهورها، إذ لم تستطع السيطرة على خلجات وجهها، لاحظَ أبو سالم على وجهِ زوجته ومُدللته عَلامات لم يفهمها، ولكن! لم يُعر ذلك أهميّه كبيرة، وبعد تناول الغداء أخذت تحدثّه مباشرة عن سفره، وأنها سمعت من ضَرتها ما سمعت. عَرف أبو سالم أنها تُريد أن تَصل إلى أمْرٍ ما!. فلم يَبخل في أجوبته على أسئلتِها دونما انفعال، إلا أنها ضاقتْ ذرعاً.  وَأخذت تُوجه إليه إتهامات، لتعرف ماذا سيفعل في سوريا ومع  مَن سيذهب؟ وهكذا، فَصرّحَ لَها أن سَفره مع صَديقه الذي تَعرفه وتحترمه، سَيأخذه عند عائلته، في سوريا  ليخطب اخته,! وهذه الصواريخ الذي صَرّحَ  بِها ألجمتْ شَذى إلجاماً، لَم تكن تتوقع أن يُصارحها بكل هذا الوُضوح أبداً، - برغم أن عاشت معه سنتين إلا أنها لم تعرفه حق المعرفة بعد-، إحتدَم الأمر بَينهما، بَعد انفعال شَديد من ناحيتها، فهي التّي ما زالتْ تتعالج منْ أجل الإنجاب، وهذا كل ما تفكر بِهْ، وهو يخطط لحياة جديدة؟! وهنا شَقّ على شذى سَماع هذا الكلام من زوجها، وجلستْ على أقرب أريكة لمكانها باسترخاء ناظرةً إلى زوجها بشرود. وهو يحاول تخفيف الصدمة عليها فهي  مُدللته ومَحبوبته ولكن هيهات هيهات! فليس لابي سالم محبوبة ولا مدللة، هكذا كانت تفكر بصمت، وتكلم مَعها كلاماً زاد على النصف ساعة دون أن تعقل منه حرفٌ واحداً، إلى أن رجع القهقرا، وتأبّط جريدته التي أحضرها دونما أن يتصفحها ، وخرج من البيت ببطءٍ شديد.

وبمرورِ الأيام عادت شذىإلى مزاولة عملها، بنشاطها المعهود، وعلمت من مصادرها المؤكدة، أن أبا سالم سافر إلى سوريا، منذ عدة أيام، وأكّدت بقرارة نفسها أن هناك مشروع زواج قيد التنفيذ.

شذى، الفتاة المتعلمة والمثقفة، الجميلة والمدَللة، يَغلب عليها الهمّ، وتغمرها التعاسة إلى أبعد الحدود.

فهيَ باتت متأكدة أنها هي من سَيطلقها إن أتى بأخرى، فهي أقل نساءه عيشاً معه ولا أطفال لديها.

فلو كان جائز بالحكم الشرعي أن يتزوج خمسة نساء اذاً لفعل.

فماذا تفعل؟ فحياتها ستنقلب رأساً على عقب. وفكرت! يالشماتة الأقارب  والضرائر ووو. فكّرت شذى في طريقةٍ تحفظ فيها كرامتها، غير مُنكسرة، عزيزة الجانب, فتوصلت إلى أن تطلب هي الطلاق.

وانتظرته حتى يأتي من سفره، وفي غُضون ذلك، ذهبت إلى طبيبتها في مراجعةٍ لها، وعرفتْ أنها حامل . ولم تعرف حقيقة مشاعرها هل تفرحْ أم تحزن، وفكّرت مليّاً، كانت سعيدة في قَرارة نفسها,، ولكن! هل سيغير هذا الحدث الجديد شيء على قرارها، لا ألبته،  فقد ظلّت متمسّكة بقرارها، نعم ستطلب الطلاق هي، ولن تنتظر أن يطلقها بإرادته.

وبعد عدة أيام جاء أبو سالم إلى بيتهِ عند شذى، وكان هذا موعده عندها حسب ترتيب الأيام بين نساءه. عندها، أخبرته شذى بحملها، تُريد أن ترى تأثير الخبر ووقعه عليه.

لكنّه تلقى الخبر بفتور، وظهرت على وجههِ ابتسامه عريضة عرفت منها أنه انما سُّرّ من أجلها، وليس من أجله، وباركَ لها. وظهرت عليها علامات الأسف، والندم الذي لم تشعرْ به طيلة حياتها على شيء فعلته إلا في هذه اللحظه.

وطالت خُطوبة أبو سالم الاخيرة دونما عقد القران بعد. وكانت هي تسترق السمع من بعيد عن إبي سالم، وكلّما مرّ يوماً، بَعدت عن زَوجها شهراً إلى أن تركت أعماله جَميعها. ودون أن تضيع الوقت، عملت في مكان آخر. وعند زيارتها التاليه لطبيبتها عرفت منها انها حاملٌ توأما، وسُرت لذلك سروراً كبيراً، ومع ذلك لم يُغير ذلك شيء عند أبي سالم الذي لم تعد تراه، لِعبوسها في وجهه وتَعمدها في ألإبتعاد عنه، إلا أنها لا تزال في بيتها الذي تزوجت فيه، لأنه باسمها.

  وجاء اليوم الذي رأت فيه أبا سالم مع خطيبته الجديده وأخيها يمشون معاً في الشارع القريب من عمارته حيث نساءه، وتعمّدت شذى أن تتبعهم فإذا هم ذاهبون  إلى حيث كانت تعمل في مكتبها القديم. وفعلاً دخلت حيث دخلوا ورأت ثلاثتهم في مكتبها الذي كان.

وأخذت تتفحص الفتاة الجديدة ، ورأتها أنها لا تزيد عنها جَمالا، وأخذت تفكر ما الذي جعل أبو سالم يخطبها ليطلِّق إحدى نسائهِ الأربع، وهنا في هذا الموقف ابتسم أبو سالم باندهاش كبير ومع ذلك، دَعاها للدخول، لكنها أبت واتكأتْ على حافتيْ الباب لتعبٍ أصابها فهي حامل بتوأم في شهرها الرّابع، وقالت بصوت متهدج ضعيف، موجهةً الحديث إلى زوجها: إذاً هذه هي الزوجة الخامسة؟؟؟. لن أرضى أن تكون بعدي إمراة لك يا أبا سالم، أرجو أن تطلقني الآن!، وأمسكت عن الكلام، وفشلت في أن تمسك دُموعها الغزيرة عن النّزول على خَديها. وكان كما أرادت شذى فعلاً ؟ وخرجت بخُطى متسارعة من المبنى، في هذا الوقت قالت الخطيبة: هذا ما كنت ساقترحه  عليك أبا سالم، فهي أقلهنّ أولاداً وأقلهن عيشاً معك. فهي آخر نسائك.