فلسطيني في بغداد
فلسطيني في بغداد
حيدر الحدراوي
حوراني رجل فلسطيني , سكن في بغداد منذ مدة غيرة طويلة , حصل على وظيفة جيدة في دائرة حكومية , غير ان راتبه كان اكبر بكثير من رواتب الموظفين العراقيين , لا لكفائته بل لانه فلسطيني ! , وحصل على كثير من الامتيازات من الحكومة , الحكومة التي ترعى العرب , وتهمل أبناؤها .
امتعض الموظفون العراقيون , من تلك الامتيازات , وشعروا بالاهانة لكل ما حصل عليه حوران وهو مواطن ينتمي الى بلد اخر , كنتيجة طبيعية , احتقروه , وتجنبوا الكلام معه , او حتى ان يسلموا عليه , او يردوا سلامه .
في الشارع والبيت , لم يكن حوراني يحظى بأحترام الناس , حيث كان يشعر بنظرات العراقيين نحوه , بكل ما فيها من احتقار وعدم الرضا , فلا يكلمه احد , او يرد السلام , بغضا وحنقا لما ناله من امتيازات , امتيازات كانت تنقص المواطن العراقي , الذي يعاني من البطالة , وشظف العيش , وعدم احترام المؤسسة الحكومية له ولحقوقه .
شعر حوراني بالخيبة والامتعاض من جراء ذلك , فهم الموضوع , وادرك السبب , فيردد في قراره نفسه :
ما ذنبي ؟ ! ... ان كان صدام يغدق علينا المال والجاه .. كأنه يريد ان يعوضنا عن وطننا المغتصب , ليس ذنبي ان يهمل صدام شعبه ويتركه للفقر فريسه .
**********************
بينما كان حوراني ماشيا , لوحده كالعادة , يتنقل بين الازقة والشوارع , مارا بالاسواق , فكمن له ساهي ابو عربيد وجبار صخره , فأنهالوا عليه ضربا , سبا و شتما , وهو يستنجد بالناس والشرطة , فلم ينجده احد , بل اكتفى الشرطة بالتفرج , الا ان لاذا بالفرار , فتظاهر الشرطي بملاحقتهما .
فعاد حوراني الى البيت , مثقلا بالجراح , لم يقم بأجراء أي بلاغ , رغم الحاح الشرطي , خشية من تعمق الخلافات , استلقى على السرير , مفكرا بما ألت اليه الامور , شعب حانق على المتنعمين بخيراته , من غير ابناءه .
**********************
استيقظ حوراني مبكرا , فلم يذهب الى الدائرة , واخذ يستمع الى الاخبار , فأستيقن ان امريكا لابد ان تجتاح العراق , وتزيل صدام من الحكم , فتسائل ماذا سيكون مصيره ؟ , فخلص به التفكير , ان يستبق الاحداث , ويغادر العراق , فلا مكان له بعد زوال النظام .
استقل باص متوجها الى الاردن , الطريق الوحيد لمن يروم مغادرة العراق , كان الباص مليئا بالمسافرين العراقيين , الذين كانوا ينظرون اليه بازدراء , فقد كانوا مسافرين الى الاردن طلبا للعمل وتحسين احوالهم المعيشية , بعد ان تحول بلدهم الى سجن كبير , يعانون فيه الفقر والفاقه , ويجترعون كأس الحرمان , اما هو فقد كان هاربا من سطوة شعب غاضب .
لقد احببنا صدام , بل عشقناه ... لما اولاه لقضيتنا من اهتمام , ولما اغدق على ابناء شعبنا من حنان ... ولم نكن نعلم ان كل ذلك كان على حساب شعبه .