مهر العروس

عزة مختار

[email protected]

انسحبت الأصابع المتشابكة بعد أن تراجع صاحباها وبعد أن ودع كل منهما الآخر وبعد أن التقي الاثنان لقاء الوداع أو لقاء الأمل أمسكت يدها بيده بلهفة عمر بأكمله عمر ضاع مع ما ضاع وحبات الخوف والأمل تنفرط من عينيها الخوف من الحاضر والأمل في غد النصر شدت علي يديه مؤكدة أن الله معه " ولينصرن الله من ينصره " قلبها كان يرتعد خوفا عليه قالت له إياك أن تعود بغيره هو مهري الذي لن ارتضي غيره ولو بكنوز الدنيا طلها وبنظرة حاسمة من عينيه اللتين كانتا تشعان بالإيمان والثقة بنصر الله بنظرة واحدة قال كل شيء وذكرها بنظراته " إن الله معنا " وذهب ....................

نظرت إيمان في الآفاق وشردت بفكرها إلي ذلك الزمان البعيد متذكرة قولة الكافر اللعين الذي وصف رسولنا الكريم بالأبتر ورده الله ورد كيده بان جعله هو الأبتر وليس الحبيب محمد ولكن لماذا قال اللعين هذه الكلمة ؟ هل رأي حقا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام  ابتر ؟ الم يخلف محمد صلي الله عليه وسلم  رجال ؟ لقد صرخت وصرخت ولم يخرج رجل واحد منهم فأين هم ؟ أين هم ؟

رحمة الله عليك يا رسول الله لقد أنجبت أمتك من اخرجوا أعداء الله وقاتلوهم من أجل امرأة يوم بني قينقاع .. رحمة الله عليك يا رسول الله لقد أنجبت حمزة الفاسد وخالد السيف ومصعب الداعية والمعتصم ...... آه يا معتصم لو علمت ما بي ، آه لو سمعت صرختي وأنت يا صلاح الدين ، ماذا لو سمعت صرختي وأنت يا صلاح الدين ماذا لو رأيت أرضنا تسرق ويرتع فيها اللئام ؟ هؤلاء هم أبناء محمد حقا انه والله ليس بالأبتر إنهم أبناؤه الذين ملئوا سمع الدنيا واهتزت لهم عروش الجبابرة ولكن أين هم الآن ؟ أين هم ؟

أيكون عبد الله واحدا منهم أيثبت لكل من سولت له نفسه بهتك ستري بان محمدا ليس بالأبتر ها هو ذهب ليأتي بمهري .. مهري الذي سرقوه مني سرقوا أنوثتي مزقوا حيائي وهتكوا ستري

ذهب عبد الله ليعيد إلي ما سرق وسيريهم من هو عبد الله سيري الدنيا كلها من هم أبناء محمد وساعتها .. ساعتها ستغرد الأطيار كلها أغنية العودة وتشدو الآفاق كلها نشيد النصر .. سيردد الكل مع الحجر " لبيك اسلاماه " ساعتها سيقوم حمزة وخالد حاملي السلاح ويقوم مصعب معلما والمعتصم قائدا وصلاح الدين فاتحا وحينئذ ينشد الكون بمن فيه وما فيه " لبيك اسلاماه "

آه ما أجمل ما تمنيت أفي لحظة واحدة يحدث كل هذا ؟ ربما ...

لقد مرت عشرة أيام علي ذهاب عبد الله . يا الله .. ما أبطأ مرور الأيام .. لقد مرت وكأنها الدهر كله .. ولقد ذكرتني بيومها ، ذلك اليوم الأسود الكئيب . يوم لم تطلع فيه شمس ولم نسمع فيه غير عواء الذئاب المفترسة تفترس الأخوات المؤمنات .

ذئاب تجمعوا علينا بالتناوب ينهشون أعراضنا جياع لا تشبعهم إلا لحومنا ولا يرتوون إلا من دمائنا .. نهشتنا الذئاب وأنا اصرخ وا معتصماه أين أنت يا معتصم كي تطفيء لهيب قلبي ؟ أين أنت يا صريخ النساء ؟ أين أنتم يا مسلمون ؟ صرخت وصرخت أين أنت يا الله ؟ يا الله ؟ .........

وساعتها سمعت صوت الرصاص وأنا بين حية وميتة وإذا بي أجد نفسي بين السماء والأرض وجاءني صوته ، صوت محمد صلي الله عليه وسلم جاءني عبر الأفلاك كلها ، أتاني عبر كل السنين ، أنا الضعيفة وكأنه يعرفني حق المعرفة أتاني من بعيد بعيد ، من هناك ، من السماء رايته قادما طيفا نورانيا أتاني عبر الزمان ، وعرفته  . عرفته كأني كنت أراه كل يوم . لم اشعر بالاطمئنان في حياتي كلها مثل هذه اللحظة ولم أكن ادري أني أحبه كل هذا الحب حتي إنني الآن أبيع الدنيا من اجله حتي أمي وأختي وحتى عبد الله ونفسي . آه ما أعظمك يا محمد

يا رسول الله جئتني أنا .. ناداني إيمان ، إيمان ، يا ابنة الأمة النائمة يا فرع امة أخطأت الطريق .. نهضت وقلت له .. أحقا يا حبيبي يا رسول الله ؟ أحقا يا حبيبي يا رسول الله ؟ أحقا أنا منك ؟ من أمتك ؟ مؤمنون ؟

فلماذا يحدث لي هذا إذن ؟ ولم هذه الجيوش التي تحاربنا ؟ الدنيا كلها تجمعت علينا ؟ ولم طالما أننا أمتك ؟ لماذا تركنا الله لهم ؟ لم لم يطبق عليهم البحر مثلما أطبقه علي فرعون ؟ اولسنا مؤمنين ؟ فقال بصوته الهادئ : بلي ولكنكم نائمون برغم نور الله أمامكم تغمضون أعينكم عنه وعندما ترونه ساعتها ستجدون فيه القوة والمنعة " وبقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا  كتاب الله وسنتي " وستصحو الأمة يا إيمان . فأنت وعبد الله فتيل المصباح " صبرا آل ياسر إن موعدكم الجنة صبرا صبرا " وتباعد الصوت وتباعد حتي لم اعد أري غير أشباح وجوه

تبينت من بين الوجوه عبد الله الذي عقد علي ومن ساعتها لم نهنأ لحظة . اقسم لينتقم لي ولأختي ولامي , اقسم أن تعود الأرض ولو علي أشلائه , وربت علي كتفي ورددها ، كلمة محمد صلي الله عليه وسلم " إيمان لا تحزني فانا وأنت فتيل المصباح صبرا فقدرنا أن نكون أبناء الأمة النائمة ... سرت في جسدي رعدة قلت كأنك كنت معي حين جاءني ، آه ما أقدرك يا الله ، وما أقساه من يوم مضي وكأنه ربط بحبال الزمن كي لا يمر واه ما أقساها من ذكريات  ....

وها هي عشرة أيام تمر ولا ادري ما فعل عبد الله ؟ لم تأتني منه رسالة لم اسمع دوي انفجارات قنابله تري أين أنت يا عبد الله ؟ أين أنت يا طائرا غاب عن عشه ؟ اه يا لوعة قلبي . الم يكفي ما فقدته ؟ أيجب علي أن افقده أيضا كي يصحو النائم ؟

ولكن ما هذا الصخب ؟ وما هذه الأغاريد .. الصغير والكبير يسرع ليري ما  الخبر ؟ تري ماذا يحدث ؟ ربما ؟ ربما يكون قد عاد الغائب ؟ إنهم يهتفون فرحين بعودته لقد رد لي كياني أعاد لي ستري وا فرحتاه عاد عبد الله إنهم يهتفون لا اله إلا الله والشهيد ..... ماذا ؟ ماذا يقولون ؟ الشهيد حبيب الله ؟ هل أتي عبد الله شهيدا ؟ نعم إني اسمعهم جيدا لقد استشهد عبد الله يا ويلتاه لا لا بل وا فرحتاه . لقد أتاني بأغلى مهر . أتي بروحه مهر لي . وا فرحتاه من مثلي يا قدس من مثلي يا سراييفو من مثلي يا قرطبة .؟ زغردي أمي وأعلني الأفراح . ألبسيني ثوب زفافي ، لقد أتي بروحه مهر لي .. إنه مهري روح شهيد.