إنّي أنتظر

سمر حامد العامودي

سمر حامد العامودي

جَلستْ على أريكة في فناء البيت، كانت تحب أن تجلس هناك عندما تملّ من سريرها وغرفتها.

وفي فناء البيت كان أولاد ابنها أحمد وعبد الله، يلعبون حولها، وهي تسّر بذلك سروراً عظيماً، وكانت بعض الأشجار ألمورقة الجميلة المزروعة هناك، تسكنها بعض الطيور الصغيرة الزاهية الألوان، وهذا المنظر بالذات يذكّرها ببيتها القديم في فلسطين، ذكريات لا تفتأ تذكرها لا تنساها البته، وهي بفكرها وقلبها منذ أكثر من خمسين عاماً، وطاب لها الكلام عن طفولتها في ذلك اليوم، عندما جاء حفيدها يسألها عن الطيور، وفي نبرة صوته براءة الأطفال، ما تقول الطيور يا جدتي وهي تزقزق؟ فابتسمت وأخذت تجيبه عن أسئلته وتحدثه عن بيتها والشجر، وعن أبناء وبنات جيرانها يوم كانوا أطفالا يلعبون بلا كلل أو ملل في وطنهم، إلى أن جاء من يطردهم منه، وتنهّدت وأغمضت عينيها، كأنها تريد أن تحافظ على هذه الذكريات، حتى لا تنمحي من ذاكرتها أو تنساها.

ولطالما كان لسانها الذرب يتحدث دون ملل، وقالت لحفيدها:

وتدور الأيام ونحن نسير، وتعودُ الأحداث التي مضت كما لو أنها بالأمس القريب، وأغمض عينيّ حتى أكون في نفس المكان بين الشجر والزهر قرب بيتنا العتيق، وتمر السنون وأنا ما زلت أذكر ذاك البيت، ومازلت أذكر رائحة المطر، وقطرات الندى على أغصان الشجر، ووريقات الزهر.

وأذكر البلابل والحسّون تغني لنا، وأمي تنادي وأنا! ألهو مع أطفالٍ من بلدي، كنّا مع بزوغ الفجر نلعب ينادي بعضناً بعضاً.

ونشعل الحريق لنضيء الطريق، في عتمة الليل عند ذاك الجبل، وما طال لهونا، وانطفأ الحريق في منتصف الطريق، وتبدّلت البلابل والحسون غربانا سوداً تملأ الجبل وبَنتْ على الجبل أعشاشاً لها وفي الحقل، وكبر الأطفال وما عدنا نصعد الجبل.

وما عدت أذكر سوى تلك الغربان، إني أنتظر!.. لعلّ وعسى أن تعشش الغربان في مكان آخر بعيداًً عن الجبل.

وما زلت أغمض عيني حتى بزغ فجر غريب، في بلد غريب، وحفيدي يلعب بجوار شجرة الرمان، وتغني البلابل والحسون!! ألا لا  تبرح مكانك، لئلا تأتي الغربان مكانك، وناداني  يا جدتي: ما يقول الحسّون يا جدتي؟؟

قلت: لا تأبه به يا صغيري ولكن! لا تبرح مكانك..