العودة
عبد الزهرة لازم شباري
كان أكثر حكمة ، يهيم لوحده تائها في تفكير دائم ، تزدحم مخيلته بمفردات قدرته على السيطرة في أن يدير من حوله ويزرع فيهم النخوة والغيرة ، يميل إلى المزاح أحياناً ، يعاتب هذا ويلاطف ذاك ، ويعمل ماراثونا حول ما بناه لأحفاده حيناً آخر !
ينظر إلى القلعة المنسية التي تقف أمامه في وسط السهل الممتد نحو الشمال ، بجانبه تنبش الطيور في مكامن يراها أصبحت يباب ويبس ما فيها من نبات وزرع ، يكاد لا يرى منها سوى أوراق التوت المتساقطة على باحة داره القديم الذي يتوسط أرضه ، يسأل نفسه ، يا إلهي أين ذهبت هذه الخضرة والنظارة من هذه الأرض ؟
وأين ذهب الماء عنها ؟
إنها غارت في أعماق الأرض لا أستطيع أن أستخرجها لوحدي ، ولم أجد من يساعدني ، أرى في النهاية تصبح نهباً لغيرنا ، هؤلاء لا يستطيعون الحفاظ عليها ، سوف يتفرقون في أصقاع الأرض بعدي ، أنها الحيرة يا رب !
أوراق التوت المتساقطة أمامه تنقلها الريح إلى مكان بعيد تسمعه الحفيف ، يتشاءم منه وتكاد تزهق روحه من بين جنبيه !
يمد يده المعر ورقة إلى زوجته قائلاً :
ترى هل يأتي الماء يوماً ؟
وهل تطل علينا المزرعة من جديد ؟
ونرى السنابل وهي تميل بغنجها كأنها العرائس ، لتقبل وجه الأرض بما تحمله من الحبوب ؟
هل تخرج مرة أخرى حتى على الأقل آخر مرة أراها بالعمر ؟
تبتسم بوجهه مازحة ، دع عنك هذا أيها الشيخ الطيب إنها الإشارة بالعودة إلى ما كنا فيه !
ماذا تعنين ؟
نعم إنها النهاية ، سوف نرحل إلى هناك ، حيث النخيل الشامخة في الجنوب ، حيث المرح والشمس ، إنه نداء القلوب يا عزيزي ، أم أنت تريد أن تموت وحيداً دون أهلك ؟
تريد أن تقبر هنا ولم يزرك أحد في ديار الغربة ؟
يصمت قليلاً ، تنازعه روحه إلى الرحيل ، وكأنه صدق كلامها ، يتكأ على عصاه ترتعش يداه وقدماه ، في حين يسمع مؤذن القرية النائية في الشمال يصدح بصوته معلناً للصلاة !!