شاطئ النجاة
حيدر الحدراوي
كنت وحدي اعوم في بحر بلا حدود، بحر ساكن ... لا صوت فيه، سوى تلاطم الامواج من حولي، هنا وهناك، السماء زرقاء صافية، والشمس قد توسطت كبد السماء، ترسل اشعتها الحارقة،
من بعيد ارى قطعة بيضاء، تحلق عاليا في جوف السماء، تقترب مني، انه طائر النورس، حام حولي، يصدح بصوت جميل، ما اعذب صوته! لكن لماذا يحوم حولي، كأنه يريد ان يرشدني الى اليابسة، يحلق في الافاق وينظر لي، يقترب تارة ويبتعد تارة اخرى، يجوب السماء ذهابا وايابا، يصدح بصوت يملئ الافاق، وها هو يحلق بالقرب مني، يقترب ثم يتوجه نحو قرص الشمس الملتهب، ينطلق الى مسافات ثم يعود، ليعيد الكرة، كأنه يقول لي اتبعني، وبدأت اعوم بسرعة، فهمت قصده، كأنه يرشدني الى البر، الى ساحل امان، اعوم واعوم، حتى كلّت عضلاتي وانهارت قواي، لا اقوى على العوم اكثر من ذلك، ولم ارى شيئا سوى الماء والسماء، والشمس المنيرة، والنورس، ابتعد النورس، حتى توارى عن نظري، حاولت جاهدا كي اعوم اكثر، لكني لم افلح ولن افلح، مرت لحظات، حتى لمحت النورس يعود، لكن يبدو انه كان يحط على شئ، نعم ..... يبدو ذلك، فكيف لطائر ان يحط على الماء، اقتربت اكثر، فوجدته يقف على جذع، جذع شجرة تحمله الامواج، انه يقترب رويدا ... رويدا، حتى كان قاب قوسين او ادنى، تمسكت بذاك الجذع بكلتا يداي، جذفت بيدي اليمنى، ومتى تعبت جذفت باليد الاخرى، استمر هذا الحال شقفة من الزمان، حتى ترائت لي قمم جبال عالية، امتلئت بالامل، ورحت افكر بالسلامة والوصول، لكن صديقي النورس قد اختفى، فسمعت اصواتا غريبة، لقد كان سربا من النوارس، بدأت تحوم حولي، معهم صديقي النورس، يبدو انها جائت لتنذرني بوقوع كارثة، بدأت السماء بالمغيب، تتوارى خلف البحر، فكان لزاما عليّ ان اصل الى الشاطئ قبل المغيب، فهبت ريح معتدلة من الشرق، فنظرت ناحية الشرق، فرأيت غيوم سوداء، وبعد برهة، سمعت اصوات رعد يدوي، وعصفت الرياح، وهمرت امطار السماء بغزارة، ارتفعت الامواج، اختفت النوارس، لم يبقى سوى صديقي النورس، كنت اراقبه وهو يصارع الرياح وامطار السماء وامواج البحر العالية، وفجأة اعتلت السماء موجة، احتوت صديقي النورس، رمته في البحر، يجب ان اصل اليه، يخفق بجناحيه محاولا الطيران، حاولت لكن الامواج حالت بيننا، حتى وصلت اليه بعد عناء كبير، وما ان وصلت اليه حتى ارتفعت موجة عالية، فقدت الوعي والادراك، لا اذكر ما حدث، افقت فأذا انا في جزيرة مجهولة، ومن حولي طيور النوارس، ترفرف باجنحتها فرحا بزوال العاصفة، كان بينها طيرا يحاول الطيران، تمعنت النظر فيه، سرتني رؤيته ثانيا، انه صديقي النورس، وصلنا بسلام الى بر الامان.