في حينا زفاف

محمد أكروح

[email protected]

جالس فوق الكرسي الخشبي في مقهى الحي مع صديقه يتناولان خليطا غير متجانس من الحديث، تارة في ارتفاع الأسعار وتارة في أحوال الجيران وتارة أخرى في السياسة...

وهو يرتشف رشفة من كوب قهوة سوداء قاتمة لأمت الجو البارد المكفهر  وضبطت مزاجه المعكر.

لم يكن حاله هكذا قبل أمس، فقد كان نشطا مفعما بالحياة والأمل وسعيدا بلحظته، وكيف لا وقد كانت ليلة زفافه.

لقد انتظر خمس سنوات هذه اللحظة، خمس سنوات وهو يدخر الدريهمات للحظته هاته، فقد أحب ابنة جيرانه حبا دراميا لم يعهده سكان الحي إلا في مسلسلات مثل "تكلفة الحب" و "سنوات الضياع" لم يثنه الأجر الزهيد الذي كان يتلقاه لقاء عمله نادلا في نفس المقهى الذي يجلس فيه الآن، من إصراره على إقامة حفل زفاف فاخر يتذكره أهل الحي كتذكرهم لليوم الذي زفت فيه أسلاك الكهرباء لحيهم، اهتم بنفسه بكل تفاصيل الاستعداد، رحب بجميع سكان الحي لزفافه، واستدعى مطربا شعبيا مشهورا في أوساط من لا يستطيعون دفع ثمن تذكرة السينما والمسرح.

ولم يفته أن يقيم الزفاف في المقهى الذي يعمل فيه، زخرفه بأنواع الزخارف واحتشد فيه الضيوف والمدعوون، كان مغمورا بالسعادة وأطفال الحي يرددون :

ـــ مولاي السلطان، مولاي العريس.

يسمعها وينتشي بها كونه اليوم نقطة التقاء عيون الكل بما في ذلك عدوه اللذوذ (مول الزريعة) الذي كان ينافسه على خطيبته.

فجأة سمع صوت صفير سيارة تقترب من المقهى، فبدا على محياه غبار الاستفهام والتوتر، فلم يكن الصفير إلا صفير سيارة الشرطة وهي تخترق حشد الأطفال الذين تحولقوا حولها مستكشفين لسبب حضورها، خرج من السيارة الضابط عبد الجبار الملقب في الحي بجبُّور، واتجه قاصدا مولاي السلطان الذي وضع يمناه فوق يسراه، ووقف في صمت منتظرا مصيبة تقع على طبلة أذنه من الضابط جبور، فلقد عهد السكان أن قدوم جبور يعني اعتقالا أو تهديدا أو حجزا... لم ينتظر وقوع المصيبة أكثر من برهة حتى نطق بها جبور:

ـــ مولاي السلطان (القهوجي) ، بأمر من السلطة يجب إيقاف الحفل والحجز على المقهى؟؟؟

تلعثم مولاي السلطان وانقضت لحظته التي لم تبدأ وهو يردد:

ـــ ل...كن لمـ...ــاذا؟؟؟

ـــ لماذا؟؟ لأن هذا تجمع لم نخبر به في مقهى غير مرخص له من طرف السلطات !!.

أطلق بعدها جبور صوته الخشن المعهود على الضيوف بالمغادرة وإخلاء المقهى.

لم يتمالك العريس نفسه من شدة الغضب وصار يردد:

ــــ تبا للـ... وتبا لـ... و...

لم يكمل وهو يحدق في وجه جبور، فأطلق جبور قهقهة عالية وصرخ:

ـــ أكمل يا عريس، لا تخف لن أعتقلك في ليلة عرسك، أو لنقل: العرس الذي لم يكن!.

وهو جالس فوق الكرسي الخشبي أطلق تنهيدة كان يبحث عنها منذ دخل المقهى وقال عازما:

ــ سأصبح مقدما للحي؟؟

ــ ماذا؟؟ هل أنت جاد في كلامك؟؟

ـــ أجل، ألم تسمع بمقدم الحي "حميدو" لقد أقام حفل زفافه في قاعة البلدية ولم يحضر الشاف جبور لإزعاجه !!!

أكمل رشف قهوته السوداء واستأذن صديقه الانصراف متجها إلى عمله الجديد في ورشة البناء.

 ومنتظرا 5 سنين أخرى لادخار أموال يرد بها قرض الزفاف الذي لم يكن... !؟.