على رقاب الآخرين..

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

قالت..

    -  "يكتبون واقعا ولا يصنعون واقعا"...

وبقيت حائرا متحيّرا.. مفكّرا متفكّرا.. منزعجا مزعزعا و متسائلا..

" آ واقع هذا؟.. آ حاصل هذا؟..".

نظرتَ إليها وكأنّك لم ترها ولم تعرفها.. نظرتَ إليها تريد أن تكتشفها بعد أن كشفتك وعرّتك.. نظرتَ إليها تريد العمق لا السّطح.. تريد المستور و المسكوت عنه لا المعلن والمصرّح به.. فنظرت إليك تقدّم نفسها وأنفاسها.. نظرت إليك لعلّك تزيح القناع عن وجهها فتكتشف حقيقة وجهها.. نظرت إليك وابتسمت لك ابتسامة كلّها صدق.. صارت أجمل.. صارت أحلى.. صارت أصفى وأنقى.. صارت أطيب وأشهى.. حتّى أنّك كدت تقبّل شفتيها وترتمي في أحضانها..

أخذت فنجان القهوة و ترشّفتها بحبّ ..

قالت لك..

    ـ يا بني إن أردت الكتابة فعليك أن تخرج من نفسك.. أن تدمّر ذاتك الموهومة.. يا بني إذا أردت جوهر الكتابة فعليك بحمل المعول و تحطيم الأصنام وزرع الألغام عليك النظر في الظّلال وتحت الأقدام حيث العفن الجميل والعطن الناعم الشفّاف حيث الأقدام الدامية تخطو بالخلاخل وتتزيّن بالحنّاء.. يا بني ليست الكتابة رسم للكلمات والمفردات بل هي طعن في الكلمات وقتل للمفردات لتبقى روح الحياة ويعلو صراخ الأحياء لا الأموات..

سكتت قليلا وارتشفت رشفة من القهوة.. ثمّ التفتت إليك.. رأيت في عينيها عمقا و بريقا عجيبا نفذ إلى أعماق بعيدة داخلك..  شعرت به ينغرز في قلبك كسهم مسموم و رأيت الألم والوجع والعمق والوجد.. رأيت المعنى وموت الكلمات.. بل لمست وعشت لحظات من الحياة كانت هي الحياة.. لكنّك شعرت بالضياع  و التوهان..

سألتها..

    - ماذا تقصدين بقولك "عليك أن تخرج من نفسك أن تدمّر ذاتك الموهومة؟..

   فأجابتك بنبرة غريبة قائلة..

    ـ خذ مثلا أنا أعيش ذاتي فقط لأنّي أعيش لذاتي و لذّاتي لا غير.. أمّا الكاتب أو الأديب فهو يحيى لذاته ولغيره وللذّاته ولذّات غيره وكذلك يكتب لذاته ولغيره.. قرأت ما كتبته أنت مرّات فرأيت أنّك مازلت تحيى لنفسك وداخل نفسك وتغرّد كطير في قفص مذهّب لا يطير ولا يذهب بعيدا وتكتب بنفسك لنفسك ولذاتك الموهومة أي ذاتك التي تعتقد أنّها هي الآخر و العالم.. أقصد أن تضع - وأعذرني لهذا التعبير- أن تضع حبل المشنقة على رقبتك قبل أن تضعها على رقاب الآخرين...

 وسكنت و تساكنت ثمّ أعادت الكلمات الأخيرة بصرّة وغيض..

.. على رقاب الآخرين.. الآخرين!..

  من هم الآخرين؟!..

تساءلت..

..وطال المقام وتشعّب الكلام كثيرا لكنّك أضعت الختام..