الغول
الغول
ناديا مظفر سلطان
تماما كما أقول لكم إنه غول رهيب المنظر أنيابه حادة كالمنشار، وأظلافه طويلة كالسيف ، له عين واحدة حمراء ، أما جلده فهو حراشف زرقاء ، تصدر صليلا كلما تحرك ، مثل صليل الجرس ...كما أقول لكم إنه غول مخيف.
هيمن الرعب على القطيع ، علا ثغاء الحملان الرضيعة ، فازدادت النعاج التصاقا بفلزات أكبادها ،وقد علت وجهها صفرة مروعة .
-وكيف لنا الخلاص يا سيدي"الخروف الأكبر" من هذا الغول؟
سأل كبش مسن بصوت متهدج.
-لا تقلقوا يا أخواني فأنا له بالمرصاد لقد نشرت عيونا من الكلاب الشرسة في الحقول المجاورة ، كما انضمت إلينا قطعانا من الماعز لتساعدنا على الامساك بعدونا .
انتحبت نعجة فتية بحرقة ، التصقت بالأرض ، وهتفت بين دمعها وآهاتها:
لقد انسلّ ولدي من الحظيرة دون أن أدري فأكله الغول .
لم تستطع كتمان نشيجها ، فصاحت بلوعة : وا ولداه!
هزَّ الخروف الأكبر رأسه بأسى : هذا ما حذرتكم منه ، قلت لكم مرارا لا يخرجن منكم أحد أبدا بعد المغيب.
تفرقت جموع الخرفان ، أثقلها الحزن والخوف ، فتقدمت تجرُّ قوائمها نحو الحظائر ، وقد غاص القرص الأحمر في لجة الغسق الشاحب وراء التلال البعيدة.
خلع الخروف الأكبر رداءه فبانت أنيابه الحادة ، وأظلافه الطويلة . كان قد أخفى بقية الحمل تحت فراشه فأخرجها ، وأخذ ينهشها بتلذذ .
تمتم: ما ألذ الحملان الرضيعة ! حقا إنها أفضل وجبة أتناولها منذ عام...
من الآن وصاعدا لن أختطف إلا الرضع من الخراف ،فطعمها ألذ ، ولحمها أزكى من تلك التي تقتات العشب .
تمدد في فراشه ، وما لبث أن استغرق في سبات عميق .
توالى اختفاء الحملان الرضيعة ،فساد الهلع في صفوف الخراف ، ولم تعد تجرؤ النعاج على الخروج من الحظيرة لترعى العشب ، فنضب حليبها ، وعلا ثغاء صغارها.
تبرع الذكور من الخراف لإحضار العشب إلى النعاج المرضعة ، فاستكانت الخراف وهدأ بعض روعها .
في المساء أخلد الذئب إلى وكره باكرا ، مدّعيا أنه متوعك .
مكث يفكر في هذا المأزق وهتف يحدث نفسه :كيف العمل ؟ إنني أتضور جوعا ها قد مر يومان والحملان الرضيعة لا تغادر الحظيرة ..والحق أقول إن نفسي لا تشتهي أيا من الخراف الكهلة التي تجوب الحقول.
كان غارقا في أفكاره ، سمع صلصلة تماما مثل صلصلة الجرس .
كان القمر يغدق أشعته بسخاء من كوة الوكر ، فاستطاع الذئب أن يرى بوضوح عينا حمراء وحيدة ،وحراشف زرقاء ، وأنيابا حادة كالمنشار .
أغمد الغول أظافره الطويلة كالسيف في عنق الذئب ، فأطلق صيحة دهشة وذعر، ولكن كانت الخراف تنعم بنوم هانئ ، فلم يسمع صيحته أحد .