الأسد والأمّ الحمقاء
الأسد والأمّ الحمقاء
[مهداة إلى من يحتجّون على دخول الجيش الحرّ
إلى المدن والأحياء السورية]
أحمد أبو النور
يحكى أن امرأة كانت تعيش مع أبنائها الخمسة في كوخ قريب من غابة يحكمها أسدٌ مفترس.
ذات ليلة، عند اكتمال القمر، هجم الأسد على كوخها، فحطّم الباب وافترس أحد أبنائها أمام عينيها، فراحت تولول باكيةً وتندب ولدها المسكين وحظّها العاثر، ولكنها لم تفعل شيئاً.
في الشهر التالي، وليلة اكتمال القمر، عاد الأسد من جديد، فحطم باب الكوخ وافترس الابن الثاني بضراوة، فكانت مصيبة المرأة به أكبر منها بأخيه، ولكنها لم تحاول أن تفعل شيئاً.
وفي الشهر الثالث، عاد الأسد في الليلة المعتادة، فهاجمهم، وحطم الباب، وافترس الولد الثالث، فكانت مصيبة المرأة أعظم وأعظم، ولكنها أيضاً لم تحاول أن تفعل شيئاً.
وفي الشهر الرابع، وقبل حلول الليلة الموعودة، أعلن الابن الرابع لأمّه أنه لن يستسلم للأسد لو عاد، وسيواجهه هذه المرّة ويقاومه ويقتله بخنجره ويخلّصهم منه إلى الأبد.
وافقت الأمّ بعد تردّد، ولكن بشروط: إذا كان لا بدّ لك أن تفعل فاقتله خارج الكوخ، لا أريده أن يحطّم لنا الباب من جديد، لقد كلفني إصلاحه في المرات السابقة مالاً كثيراً.
وحرصاً منه على إرضاء أمّه، ورغم إدراكه للمخاطرة الشديدة، قرّر الولد أن يكمن للأسد خارجاً تحت كومة من القشّ قريباً من باب الكوخ.
حين وصل الأسد اشتمّ بأنفه الحادّ رائحة الولد، وقال لنفسه: هل يظنّ الغبيّ أنّ كومة القشّ ستحميه منّي؟ لقد وفّر عليّ مشقّة تحطيم هذا الباب اللعين، ثم قفز عليه وافترسه.
كان مصاب الأمّ أكثر من عظيم، لقد فقدت أبناءها الأربعة ولم يتبقّ لها إلا الولد الخامس والأخير، ولكنها، مع ذلك، لم تفعل ولم تحاول أن تفعل شيئاً.
وفي الشهر الخامس، في الليلة الموعودة ذاتها، اتّخذ الابن الأخير قراراً يائساً بمواجهة الأسد والتخلّص منه بأيّ ثمن. ومن جديدٍ قالت الأم محذّرةً: ولكن ليس داخل الكوخ يا ولدي، إيّاك، لا أريده أن يحطّم لي الباب مرّةً أخرى ويكسر الأواني ويخرّب الأثاث، ثمّ إيّاك أن تواجهه عند المدخل أيضاً كما فعل المرحوم أخوك في الشهر الماضي، وإلاّ لخرّب لي من جديدٍ النباتات التي زرعتها حول الكوخ. لو أردت أن تقتله فاكمن له هناك بعيداً عن كوخنا.
لم يجد الولد المسكين مناصاً من أن يرضي أمّه ويترصّد الأسد في العراء بعيداً خلف شجرة، رغم معرفته بحجم المخاطرة. وبالطبع كانت عينا الأسد الثاقبتان، وحاسّة شمّه النافذة، وأذناه الحادّتان، كافيةً لاكتشاف من يكمن خلف الشجرة، فانقضّ على الولد وافترسه في لحظات.
في الشهر التالي، وفي الليلة الموعودة نفسها، كان جسد المرأة ممزّقاً بين براثن الأسد، خلف بابها المحطّم، وفوق أشلاء أثاثها وأوانيها، وتحت حطام كوخها المنهار.