قصص من الحصار الجزء الثامن

قصص من الحصار الجزء الثامن

وليد فارس

رحلة إلى شرم الشيخ

أصوات القصف تسمع من أكثر من منطقة ويكاد يغطي أزيز الرصاص وصوته حين يرتطم بالجدران والخطى مسرعة نحو مكان للاحتماء به وطريق يقطعه قناص أحاول أن أعبره إلى الطرف الثاني, الهاتف الجوال يرن -ونادراً مايرن- ولاتغطية للشبكة إلا في مساحة مفتوحة, من معي؟, أنا فلان من مكتب كذا السياحي ننظم رحلة إلى شرم الشيخ وبدأ يسرد التفاصيل وأسماء الفنادق وبرنامج الرحلة وأنا مسرعٌ في طريقي محاولاً عبور الشارع من غير أن أنجح أكاد لا أبلع ريقي والمتصل يشرح تفاصيلاً تمر أمام ناظري وتنقلني لدقيقة من مكاني ثم تعيديني إليه رصاصات قريبة من المكان يسمعها محدثي, فيحس أنه أخطأ الوقت والزمان والمكان والشخص فيقول محاولاً تدارك الموقف: "هذه الرحلة متكررة وتستطيع أن تذهب في وقت أخر وليس ضروري أن تكون إلى شرم الشيخ لدينا أيضاً رحلات إلى مكة" وأنا مازلت في موقف يصعب علي التكلم فيه بسبب الجو المحيط, ثم يصمت الرجل وكأنه ينتظر مني الإجابة وأنا على الرغم من أنني أمسك الهاتف بيدي وأسمعه إلا أنني في عالم أخر عن عالمه فما أجد من نفسي إلا أن أقول له صارخاً" ياأخي احجزلي على الطرف التاني من الشارع وبعات الطيارة على السريع".

إيمان

أبو فراس شاب عشريني نشيط تراه حيثما ذهبت, يشتهر بصمته وشجاعته وخلقه الحسن, دخلت مرة عليه فإذا به شارد الفكر تعلو خده دمعة, "إيه أبو فراس ماذا بك؟" سألته متجهاً نحوه, "الشوق يبكيني" أجاب ماسحاً دمعته عائداً لابتسامته المعهودة, ثم بدأ يحدثني عن عائلته وأهله, إنه شاب لأم أرملة لديها خمسة عشر بنتاً(15) وزوجٌ لاثنتين, ترك خلفه ثمانية عشرة امراءة من غير معيل ويحدثني عن الشوق, استغربت حديثه وظننت أنه يخفي ما أستطيع أن أساعده فيه, كررت سؤالي وطلبت منه المساعدة, فقال" تركت خلفي أمي وخمسة عشر أختاً وزوجتين أقصد وجه الله الكريم, أفيترك من أتيت قاصداً أمانتي التي تركت؟".

السير على الخطى

استشهد البطل وبكى أفراد مجموعته بكاءاً شديداً, نعم فقد كان أخوهم في السلاح وقائدهم وكبيرهم الذي يحمل همومهم ويدير شؤونهم, إنه وضع شديد الوطأة على القلب التي لو كانت جبالاً لتحطمت من عظم الموقف وحجمه, تركتهم في حالة نفسية أقرب ما تكون إلى جليد صيف, في اليوم الثاني عدت لأطمئن عليهم وأواسيهم فإذا بهم مجموعة تعد الطعام وأخرون خرجوا إلى مواقعهم وغيره يقرأ وأخر يتحدث على الهاتف, جلست معهم أكثر من ساعة ونصف سائلاً نفسي, هل هؤولاء هم من تركت يوم أمس؟, لقد عادوا إلى حياتهم تعلوهم ثقة عظيمة بأن مشوارهم مستمر, مارسوا أعمالهم اليومية وعادت هممهم عالية على خطى قائدهم.

مجموعة فقدت قائدها وعبرة الانصياع للقائد