صداع

صداع

عبير الطنطاوي

صداع صداع صداع يكاد يفجر رأسي .. أتخيل عشرات المصارعين من أصحاب الوزن الثقيل يطرق كل واحد منهم على رأسي فأشعر بآلام رهيبة قاتلة .. قررت أن أعرف السبب .. هل هو إرهاق ؟ فاكتشفت أن لا .. فأعمالي كربة منزل كما هي قد تزيد قليلاً لكنها لاتؤدي إلى هذا الطرق القاسي .. لعل قلة نوم فأدركت أن لا كذلك .. لعل الطعام فوجدت أن لا كذلك .. قررت فجأة أن أجلس في شرفة منزلي ذلك الركن المحبب إلى قلبي حيث أحمل كوبي من القهوة اللذيذة ومسبحتي وأجلس أتأمل خلق الله وأسبح وأستغفر .. تلك دقائق أحسد نفسي عليها .. وأرجو الله أن لا يحرمني إياها .. قلت لعل ضجة الأولاد ومشاكلهم الصغيرة الحبيبة وصراخهم وصوت التلفاز وأفلامهم هي سبب الصداع .. جلست وحدي وأغلقت الباب خلفي في خلوة تامة .. حاولت أن أفكر بالسبب ولكني وجدت دماغي يعمل وحده في أفكار كبيرة سقيمة مزعجة .. القتل والدمار في سوريا .. ذبح المسلمين في بورما .. التفجيرات في العراق .. ويزيد ألمي تلك الأفلام التي يفاجئنا بها الغرب كل فترة عن استهزاء بذات الحبيب عليه الصلاة والسلام .. وهذا المجتمع الغارق بالتفاهات .. حيث أتأمل وجه جارتي وهي تشكو إلى الله زوجها الذي صار في منتصف الأربعين من العمر وفي كل يوم يرميها بألذع العبارات عن زيادة وزنها وعن رغبته في زوجة صغيرة نحيفة وأنيقة غير غارقة بالأولاد والبيت (وكأن الأم المخلصة غدت في هذا الزمن في نظر الزوج العصري امرأة متخلفة دقة قديمة انتهت صلاحيتها) حتى غدت هذه الجارة في حيرة من أمرها أتلاحق مراهقة ابنها وابنتها ! أم تلاحق مراهقة زوجها الذي لا يعرف عن الثورات العربية سوى اللاجئين وبنات اللاجئين عله يحصل على غنيمة منهم .. وتلك تشرح لي والدموع تملأ عينيها مشكلة ابنها ذي الأعوام العشر وهو يبكي ويشرح عن المصيبة التي وقع فيها فأستاذ الرياضة طلب منه أن يفعل فعلاً فاحشاً له فأخبر أمه بعد أشهر من الاكتئاب والعزلة مما اضطر أمه إلى أخذه ألى طبيب نفسي وبعد محاولات اعترف بما حصل في المدرسة!!!!!!!! وتلك صديقة تشرح لي بين الصدمة والخوف منظراً شاهدته في حديقة قريبة من منزلها طفلين أعمارهما لا تتجاوز السنوات الست أو السبع وهما يحاولان فعل فاحشة حقيرة محرمة !! وكلام أخرى نقلا عن صديقتها عن طفل عمره ثلاث سنوات يستعرض أعضاءه أمام فتاة في الثالثة من العمر في الحضانة !!! وذاك عجوز في الثمانين يطالب أولاده تزويجه لأنه بحاجة إلى امرأة في هذا الزمن الصعب !!! وكأنه سيخلد في هذا الزمن الصعب !! الصدااااااااع يدمر رأسي يأكل جسدي .. وأنا أقرأ خبر اختطاف فتاة في الربيع الرابع عشر من العمر وفعل الفاحشة بها والعياذ بالله .. شباب يموتون كل يوم كالزهور كالشموع تذوب من أجل الشرف والحرية وآخرون يدمرون الشرف والأخلاق والحرية .. بت أخاف على البنات من الخروج .. فأرسل الولد ليقضي لي طلباتي ثم بت أخاف حتى على الولد لأن الكلاب تنهش الأعراض الشريفة والحريات الشخصية لا تفرق بين صبي أو بنت ، وبين صغير أو كبير .. حتى بت أخشى على نفسي وأولادي من الشيخ الكبير لأن نظرته في هذا الزمن اختلفت عن أمس فأمس كان الشيخ ينظر لمن هي أصغر بأنها ابنته ويرى فيها صورة بناته وأخواته .. أما الآن فمع الأسف الصورة الجنسية البحتة مطبوعة في كل مخلوقات الله .. أصبحت العلاقة الجنسية التي خلقها المولى عز وجل واحتواها في إطار محترم أخلاقي وهو الزواج العفيف الطاهر أصبحت علاقة دنيئة نجسة .. تسبب خراب البيوت وهجرة الأزواج للزوجات اللواتي لم يعدن يشبعن رغبة الرجال الكبيرة والعارمة وحتى الشاذة والغريبة .. حتى الزوجات بتن يرين رجال الشوارع ألذ وأمتع من رجالهن وباتت الكلمة الحلوة تخرج من أفواه غير الزوج لها طعم منعش فهي لا تسمع من الزوج أصلاً غير الصراخ والشخط واللغط .. دنيا مخيفة كئيبة ذئاب بهيئة بشر أين المفر من هذا الأذى ؟ التلفاز اقتحم حياتنا الإنترنت خرب بيوتنا ودمر الزوج والولد والزوجة والبنت .. أين المفر يا رب ؟؟ استيقظت من أفكاري على صوت الصغيرة تبكي وتشكو أخاها الذي فرقع بالونتها على حد تعبيرها .. ضحكت من قلبي والدموع تملأ عيني ودعوت الله لها ولأخيها وأختيها بالحفظ .. قلت في نفسي :

ـ لأغرق في مشاكلهم وصراخهم عل صراخهم يعلو على صراخ الأفكار في رأسي ..

وعدت إليهم لأغرق في الأمومة أحلى بحر أعيش وتعيش فيه كل أنثى .. حتى لو قيل عني متخلفة ودقة قديمة ومسكينة..