سرُّ مَوْتِ "شريهان" زَوْجَةَ الْملك توجيان

سرُّ مَوْتِ "شريهان"

زَوْجَةَ الْملك توجيان

رضا سالم الصامت

فِي قَدِيمِ الزَّمانِ كَانَ هُنَاكَ ملك يُدْعَى "توجيان "عَاشَ مَعَ زَوْجَتِهُ "شريهان " الْمَصَابة بِدَاءِ السَّرَطَانِ عافا الله الجميع ، فَأَنْجَبَتْ لَهُ بِنْيَةَ سَمَّاهَا " نورهان" شريهان زوجة الملك توجيان لَمْ تعش طَوِيلَا ، سُرْعَانَ مَا فَارَقَتْ الْحَيَاة

نورهان اِبْنَتَهَا ، فَقَدَتْ كُلَّ حَنَّانَ ، لَأَنْ أَْمَهَا شريهان مَاتَتْ متأثرة بِهَذَا الْمَرَضَ اللَّعِينَ الَّذِي حَيْرَ أطباء الْمَمْلَكَةَ فِي إيجاد دَواءَ نَاجِعِ و إنقاذها مما تعانيه

كَانَتْ و هِي مَرِيضَةُ تَتَعَذَّبُ مِنْ شَدَّةِ الآلام و رَأَّتْ الْعَذَابُ ألوان ، فَوَضْعَ الْمُلَّكِ توجيان سَمَّا جَلْبَهُ مِنْ قَبْوِ الْقَصَرِ الْمُظْلِمِ عَلَى طَاوِلَتِهَا و بَعْدَ أيام تَجَرَّعَتْ شريهان مِنْه فَكَانَ سَببَا فِي مَوْتِهَا

أَحِسُّ الْمُلَّكِ بِالذَّنْبِ ، و أَخَذَ ضَمِيرَهُ يُوَبِّخُهُ لِيَلَّا نَهَارَ ، و شُيِّئَا فَشُيِّئَا كَبَّرَتْ نورهان اِبْنَةَ الْمُلَّكِ توجيان ، فَأَصْبَحَتْ كَأَبِيهَا تَعَيُّشَ فِي كآبة و حِرْمَان بَعْدَ مَوْتِ أَْمَهَا شريهان، وعَاشَ الْمُلَّكُ فِي الْقَصَرِ الْوَاسِعِ الأركان و كَانَ فِي هذا الْقَصَرِ حارِسَ اِسْمِهُ سلَّمَانِ أَحُبَّ الأميرة نورهان حبا كَبِيرَا و عاملها بكل لطف و حنان و وَفَرَّ لَهَا كُلَّ أَسَبَّابَ الرَّاحَةِ و اِلْأَمَانِّ ، فَأَحَبَّتْهُ كَثِيرَا و وَثِقَتْ بِه

- و فِي احْدِي اللَّيَالِي رَأَّتْ الأميرة فِي مَنَامِهَا أَْمَهَا " شريهان " و هِي تَقَوُّلُ لَهَا : يا اِبْنَتَي تَجَرَّعَتْ السم فِي الْقَصَرِ فَمتَّ و رَحَّلَتْ بَعيدَا عَنْكِ و اِرْتَحْتُ لتعيشي يا اِبْنَتَي سَعِيدَةً مُطْمَئِنَّةً الْبَال ، لأني مللت حياة العذابَ

اِسْتَيْقَظَتْ نورهان مَذْعُورَةً خَائِفَةً و ذهَّبَتْ لسلمان لِتَقُصُّ عَلَيه مَا رَأَّتْهُ فِي الْمَنَام

تَعَجُّبُ سلَّمَانِ مِنْ هذا الْحَلَمِ و قَالَ لَهَا بِكُلَّ لُطْفَ : أيتها الأميرة ، لَا تَشْغَلِي بَالَكَ كَثِيرَا فَمَا رَأَّيْتُهُ فِي مَنَامِكَ انه مِجْرَدَ حلَمِ ، فَلَا تَحزُّنَّي و تَشَجُّعَي فَوَالِدَتك ماتت مسمومة و تركتك ابنة عامين

مَشْهَدُ الْحَلَمِ ظَلَّ رَاسِخَا فِي ذِهْنِهَا و لَمْ تقتنع نورهان مِنْ كَلاَمِ سلَّمَانِ و قَالَتْ فِي نَفْسهَا : لَا بِدْ مِنْ أَنْ أَكْشِفَ سرِّ مَوْتِ وَالِدَتِي شريهان

بَقِيَتْ نورهان حائِرَةً فِي أَمَرِّهَا ، تُحَاوِلُ الْبَحْثُ عَنْ تَفْسِيرِ مُقْنِعِ لَمَّا رَأَّتْهُ فِي المنام ، فَطلَّبَتْ مِنْ وَالِدَهَا الْملْكَ توجيان السَّمَاحِ لَهَا ِ بِزِيارَةِ قَبْرِ والدتها

تَغَيَّرَتْ مَلاَمِحُ وَجْهِ الْمِلْكِ و قَالَ لَهَا مستغربا : و لماذا تُرِيدِينَ الذهَابَ إِلَى قَبْرَ وَالِدَتِكَ شريهان يا اِبْنَتَي ؟

رَدَتْ عَلَيه قَائِلَةً : لِأَنَِّي رَأَّيْتُهَا فِي الْمَنَام و كانت جد منشغلة عني

نَادَى الْملَّكُ توجيان عَلَى حارِسِهُ سلَّمَانِ و قَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْحارِسَ ، خذ الأميرة نورهان إِلَى الْمَقْبَرَةِ أَيْنَ يرقِدُ رفاتُ أَْمَهَا شريهان

قَالُ لَهُ الْحارِسَ : سَمعَا و طَاعَةَ يا مَوِّلَاي -

جَهَّزَ سلَّمَانِ الْمَرْكَبَةِ الَّتِي يَجِرُهَا حِصَانَ و صَعدَتْ نورهان و اِنْطَلَقَ الركْبُ بِاِتِّجَاهِ الْمَقْبَرَةِ ، و فَوْرَ وُصُولِهَا نزلَتْ و ذهبَتْ باتجاه قَبْرَ أَْمَهَا و هِي تَبْكِي و بَقَّي سلَّمَانِ يَنْتَظِرُهَا و يُرَاقِبُهَا فِي الْآنَ نَفْسُه

و بينما نورهان تحدثَ أَْمَهَا عَنْ مَا رأَّتْهُ فِي الْمَنَامِ ، سَمعَتْ صَوْتا غَرِيبَا يُنَادِيهَا : يا نورهان ، يا نورهان أيتها الأميرة ، أَنْ أَمُكَّ شريهان مَاتَتْ مَقْتُولَة بِالسَّمِّ الَّذِي كَانَ مَوْجُودَا بِقَبْوِ مُظْلِمِ دَاخِلِ قَصَرِ الملك توجيان، وَضْعَهُ والدك عَلَى الطَّاوِلَةِ فَأَخذتْهُ و شَربَتْ جُرْعَةُ مِنْه ، كَانَتْ كَافِّيَّةُ لِمَوتَهَا و وَدَعَتْ الْحَيَاة و ارتاحت من العذاب

صَاحَتْ الأميرة فَزعَا ، فَأَسْرَعَ لَهَا سلَّمَانِ و قَالَ لَهَا و هُوَ مُضْطَرِب : مَا بِكَ أيتها الأميرة نورهان ، ما بك ؟

قَالَتْ : وَالِدي هُوَ مِنْ تسبب في قِتْلِ أُمِّي شريهان

رَدُّ عَلَيهَا سلَّمَانِ : و كَيْفَ عَرفَتْ ذلك ؟

قَالَتْ : هِي مِنْ قَالَتْ لِي

قَال سلَّمَانِ : و هل الأموات تتكلم ؟

قالت : إن أمي كلمتني و قد استمعت إليها بكل انتباه

قال : والدكَّ تَعَذَّبَ كَثِيرَا و هُوَ يَرَى زَوْجَتُهُ شريهان تَتَأَلَّمُ فَوَضعَ عَلَى طَاوِلَتِهَا سمَّا و لَكِنْه لَمْ يقتلهاُ ، هِي مِنْ أخذَتْ مِنْ السَّمِّ جُرْعَةَ لِتَضَعُ حَدُّا لِحًيَاتِهَا و تَرْتَاحُ نِهَائِيَّا مِنْ الْعَذَابِ الَّذِي سَبَبَهُ لَهَا المرَض ، فالمرض ايتها الأميرة عدو لدود و داء عضال اذا ما دخل جسم انسان الا وافتك به ، و قَدْ حَاوَلَ الْملَّكُ توجيان إنقاذها ،و جلب لها أشهر أطباء المملكة و لَكُنَّ دُونَ جَدْوَى ، فَقَدْ فَارَقَتْ الْحَيَاةُ و اِنْتَقَلَتْ إِلَى بَارِّيِهَا

أَسْرَعَتْ الأميرة نورهان إِلَى أَبِيهَا الْملْكَ توجيان ، ودَخلت عَلَيه قَائِلَةً : أَبِي أَبِي لَقَدْ عَرفَتْ حَقِيقَةُ مَوْتِ أُمِّي شريهان

رَدُّ عَلَيهَا الْملْكَ و الدَّموعَ تَمَلَّأَ مقلتيه : الْحَمْدُ لله يا اِبْنَتَي ، لَمْ أَكِنْ أقْصِدْ قتلَهَا ، اِنْكِ أرحتني مِنْ عَذَابِ الضَّمِيرِ الَّذِي أَنَا فِيه مُنْذُ سِنِّين

قَالَتْ : و لَكُنَّ لِي سُؤَالَ أُرِيدُكَ أَنْ تُجَيِّبَ عَلَيه بِصَرَاحَة

قَال : و ماهو ؟

قَالَتْ : لماذا أَخَّذَتْ السمُّ مِنْ الْقَبْوِ الْمُظْلِمِ فِي الْقَصَرِ ، و وضعتَهُ عَلَى الطَّاوِلَة

قَال : أَمَّكَ شريهان تَعَذَّبَتْ كَثِيرَا و تألمت مثلما تعذبت أنا و تألمت عندما أراها تصارع الموت ، و لِكَيْ أَرحمَهَا وَضِعَت لها السَّمُّ عَلَى الطَّاوِلَةِ لِتَقَرَّرَ مَا ترَاهُ مُنَاسِبَا فَإِمَّا أَنْ تعيش مُعَذَّبَةً و إِمَّا أَنْ تَرْتَاحَ نهائيا مِنْ عَذَابِهَا ، فَمَصِيرَهَا بِيدَهَا يا اِبْنَتَي ؟ هكذا هي الحياة و قد أشفقت عليها

تَدَخُّلُ سُلَّمَانِ و قَالَ : اِسْمَعِي أيتها الأميرة أَن حَضْرَةَ الْملَّكِ توجيان أَحبَّ أَمَّكَ حبَّا كَبِيرَا و كَانَ يَتَعَذَّبُ عندما يراها تَتَأَلَّم

رَدُّ الْملَّكِ قَائِلَا : للأسف اِخْتَارَتْ أَنْ تَضَعَ حَدَّا لِحْيَاتِهَا و بإرادتها

فهمت الأميرة قَصْدَ أَبَاهَا ، فَعَانَقَتْهُ كَثِيرَا و قَالَتْ له: لِنَدْعُو لَهَا بِالرَّحِمَةِ و الْغُفْرَان

اِبْتَسَمَ الْملَّكُ توجيان و قَالَ لها : لَا تَتَصَوَّرِي يا اِبْنَتَي كَمْ أَحَبَبَتَهَا ، و كَمْ حَزنَتْ من اجلها وعَلَى فراقِهَا و لَمْ أُجَددْ حَيَّاتَي مَعَ امرأة أخرى ، بل كَانَ اِهْتِمَامَي الْوَحِيدَ لكَ أَنْتِ يا نورهان فَقَطُّ ، حَتَّى اُعتني بترْبِيَّتِكَ يا اِبْنَتَي ؟ و مرت الأيام وَقررَ الملك أَنْ يَكْتُبَ لاَبِنَتُهُ الأميرة نورهان نِصْفَ مَمْلَكَتِهُ لِتَعَيَّشَ سَعِيدَة

عَلَى ذِكْرَى أَْمَهَا شريهان ومرت الأيام و الأشهر و تَزَوَّجَتْ الأميرة بَعْدَ أَنْ عَرَّفَتْ سر مَوْتِ وَالدتها الحارس الأنيق سلمان الذي حفظ ودها و أحبها

و تَزَوُّجَ الْمُلَّكِ توجيان بامرأة تَنَاسُبَ عُمَرِهُ وَاِسْمَهَا "ربيعــتمان" وَبَعْدَ عَامَيْنِ أَنْجَبَتْ الأميرة " نورهان " مِنْ سُلَّمَانِ بُنيَةٍ بَهِيَّةً الطَّلْعَةَ سَمَّاهَا الْمُلَّكِ " شريهان " على اسم والدة نورهان وَمرْتُ الأعوام و كبرَتْ الطِّفْلَةُ شريهان اِبْنَةَ نورهان و سُلَّمَانِ و صَارَ لَهَا شأن عَظِيمَ فِي قَصْرَ الْملَّكِ توجيان الْمَتِينَ الْحَصِينَ الأركان ، و عَاشَ الجميع فِي فَرَحِ و سَعَادَة و أمان

و هَكَذَا تَنْتَهِي قصةُ " سر مَوْتِ شريهان زَوْجَةَ الْمُلَّكِ توجيان " الَّتِي نَسْتَنْتِجُ مِنْهَا قَيَّمَا و معان إنسانية رَغْمَ المعاناة و الصَّدْمَاتِ و رغم الْمَوْتَ فان الْحَيَاةَ لَا تَتَوَقَّفُ بَلْ تَسْتَمِرُّ و نَحْنُ لَا نُعَرِّفُ مَا يُخَبِّئُهُ لَنَا الْقَدْرَ مِنْ أهوال و آمال

فاللهَ سبحانه ﻳﻗﺒﻨﺎ بِعَيْنَ اﻟﺣﻤﺔ ، والْحَيَاةَ ﻻ ﺗﺘ وَعَلَينَا أَنْ نثابر فَسَعَينَا ﻟ ﻳﺨﻴ أﺑا

إن اﻹﻧﺴﺎن لجأَ ﻣ اﻟﻌﺼر ، وﺑﻏﺒﺔ ﻣﻠﺤﺔ ِلمعرِفَةِ مَا يُخَبِّئُهُ لَهُ الْقَدْرَ فَصبرَ و اِسْتَعَانَ بِاللهِ عِزِّ و جَلَّ .. و نَحْنُ لَا نعلم بأخطائنا أو بخطأ مَا نفعل فِي غَالِبَ الأحيان ، إلّا بَعْدَ فَوَاتَ الأوان و بَعْدَ حُدوثِهُ ، لَكُنَّ مَعَ ذَلِكَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَدَارَكَ أخطائنا و نُصْلِحُ أَمُورُنَا و نَتُوبُ إلى رشدنا و نَرَى الْحَيَاةَ بِشَيْءِ مِنْ التَّفَاؤُلِ و الأمل.