الحاكم الغريب و أهل البلد

رضا سالم الصامت

ذات يوم جاء من بعيد رجل غريب يدعي أنه أمير لبلاد العرب، فأقام بين أهل البلد و وجد منهم كل ترحاب و مساعدة و طيبة و كرم ضيافة. هذا الرجل الغريب  استطاع أن يكسب ودهم و صار الجميع يحترمونه  بل و يحبونه فقرر الجماعة أن ينصبوه حاكما لأنه اشتراهم بماله و لسانه  ولم يبخل عليهم بأي مساعدة  و وعدهم بالخير العميم  و يقول لهم أنه أمير .

بنى الرجل قصرا فخما و صار حاكما يأمر و ينهي و مضت أيام و أشهر، و كون جيشا يحميه و رجال يثق فيهم رغم انه ليس ابن هذا البلد.

أصبح يعيش حياة البذخ و الترف، و كل الناس يهابونه، فاستغل خيرات البلاد و صار يتصرف فيها و كأنها ملك من أملاكه. يدخل الرعب في قلوب الناس و يسرق ثرواتهم فأصبحوا فقراء يعيشون الخصاصة يعانون من الأمراض.

و بما أنه حاكم و لديه رجال يحمونه و حراس فلقد أمر هؤلاء الجنود بان يكونوا  اشد قسوة على كل من يتجرأ  عصيان أوامره  و يعاقبهم بالقتل  أو بالسجن.

فعاث في البلاد فسادا و لم يعد هذا الأمير غريبا بل أصحاب البلد هم الغرباء. اغتاظ الناس من تصرفاته و قرروا إيفاد عدد من الشباب في محاولة لإقناع الحاكم بأن يغير سيرته و يخدم البلاد و العباد . لكن كل من اقترب إلى القصر يتم حبسه.

انتاب أهل البلد قلقا عن أبنائهم الذين لم يعودوا و احتاروا في أمرهم و لا يعرفون إلى أين آل مصيرهم. فقرروا أن يكونوا مجموعة من الرجال و من الشباب و الفتيات و أخذوا معهم عازف مزمار و طبال و راقصات و مأكولات و مشروبات و عندما وصلت المجموعة  انقسمت إلى ثلاثة فرق فرقة تضرم النار في الغابة القريبة من القصر و فرقة تنتظر إشارة لاقتحام القصر و فرقة تقيم حفلة راقصة بعازف المزمار و الطبال و مأكولات و شرب الخمر من الجهة المقابلة لغابة القصر .

كانت فكرة واضحة تهدف إلى تفريق جنود الحاكم، حتى تتمكن المجموعة من اقتحام القصر في الوقت المناسب.

لاحظ الجنود من بعيد ارتفاع ألسنة اللهب فذهبوا لاستجلاء الأمر و بطبيعة الحال نقص عددهم و عندما وصل الجنود و جدوا غابة القريبة من قصر حاكمهم تشتعل و الغريب أنهم لم يجدوا أحدا من البشر فقرروا البقاء بالغابة و انشغلوا بإطفاء الحريق المفتعل لساعات طويلة... و بينما هم كذلك  سمع حراس باب القصر  من الجهة المقابلة أصوات المزمار و الطبال و غناء النسوة ، فذهب ما تبقى من جند إلى مصدر الصوت و فور وصولهم تم استقبالهم  بلطف و رحبوا بهم و قدموا لهم أشهى المأكولات و الفتيات الحسان يرقصن لهم و يخدمونهم  فأعجبتهم الحفلة و بقوا يسهرون و نسوا أنفسهم .

أمام بوابة القصر بقي ثلاثة جنود فقط يحرسون القصر، و وصلت إشارة اقتحام أسوار القصر.

كان الاقتحام ناجحا و في داخل القصر وجدوا الحاكم الغريب يغط في نوم عميق  ، القوا عليه القبض و أخذوه و تم فتح أبواب السجن و حرروا الشبان  الذين غابت أخبارهم عن أهل البلد ، ثم رجع الكل إلى المدينة و معهم الحاكم الغريب مكتوف الأيدي مطأطئ الرأس مهزوما .

عاد الجنود من الغابة و من الحفلة فتملكهم الذعر عندما وجدوا القصر في فوضى وازداد حزنهم عندما لم يجدوا حاكمهم.

 وجدوا القصر على غير عادته و أبواب السجن  مفتوحة ففهموا أنهم وقعوا في الفخ  و أن حاكمهم قد القي القبض عليه و أن الشبان  فروا من السجن  ، فدب فيهم الهلع و دخلوا إلى القصر  فلم يجدوا الذهب و المجوهرات  و المال  فظنوا أن الجنود الذين بقوا يحرسون أسوار القصر هم من قاموا باقتحامه ،انتابتهم شكوك كثيرة ، و نشب في ما بينهم  نزاع أدى إلى قتل بعضهم  و هرب البعض .

أما الحاكم الغريب، فقد تيقن أن أهل البلد الكرماء الذين فتحوا له أبواب مدينتهم و احتضنوه، قد لقنوه درسا لن ينساه ما دام حيا.. فعاش حقيرا ذليلا و أهل البلد عاشوا في سلام و أمان  و طمأنينة  يحكمون بلدهم  بأنفسهم بالحق و العدل و المساواة .

و هذه  نهاية كل ظالم مستبد ، و هكذا يا أطفال تنتهي قصة الحاكم الغريب و التي فيها عبرة لمن يعتبر من حكام فاسقين  و فاسدين طغوا في البلاد و ظلموا  العباد  فكان مآلهم و جزاؤهم الموت أو السجن أو العيش منفيا  في ذلة و مهانة  بعد  العز و مظاهر البهجة المزيفة التي لا تدوم .