سوسنة وابنها شوبان

سوسنة وابنها شوبان

رضا سالم الصامت

كانت سوسنة قلقة على فلذة كبدها "شوبان " الذي غادر البيت ، بحثا عن الأميرة التي أحبها و اسمها  نورهان وهي  موجودة في قصر مملكة الكثبان،  الذي لا يقربه انس و لا جان . و قبل رحيله ترك لوالدته وصية جاء فيها ما يلي : أمي سوسنة  أترك لك وصيتي و أنا ذاهب لأبحث عن حبيبة قلبي الأميرة نورهان ، لا أريد إلا رضاك و إن طال غيابي ،فعليك بالاتصال بالشيخ عريفان شيخ الصحاري و الوديان بمملكة هومان  انه صديقي ،اتصلي به و سيساعدك  ....سامحيني إن كنت حيا أرزق ، و سامحيني إن كنت  في عداد الأموات ...  ابنك شوبان ....

قرأت سوسنة الوصية و خرجت من البيت تبحث عن الشيخ عريفان شيخ الصحاري و الوديان بمملكة هومان المجاورة ، فوجدته  في انتظارها .

و من أول وهلة عرفها بالخاتم الذي تحمله بإصبعها  فقال لها : ألست أم شوبان؟

 قالت:  نعم ،و جئتك  بناء على وصيته ولدي .

 قال الشيخ :  اطمئني يا سوسنة ، فابنك في الحفظ و الأمان،وعليه فان نورهان أميرة قصر مملكة الكثبان في انتظاره ليحمل لها أذني أسد أحمر سكبان

 قالت : كيف و قد غاب عني من زمان؟

 قال الشيخ : اجلبي لي بيضة و عسل رمان و بخور طرد الجان، حتي نساعده على الوصول إلى قصر الكثبان .

ذهبت سوسنة مسرعة إلى سوق قريب بمملكة هومان، و جلبت معها  ما طلبه الشيخ عريفان  من بخور طرد الجان و بيضة و عسل حبات الرمان  .

 أوقد فحما على الكانون و رمى حفنة من بخور طرد الجان  و دهن البيضة بعسل الرمان  ليكشف سر غياب شوبان من أجل حبيبة قلبه نورهان، التي تسكن في غرفة بقصر الكثبان ، لا يقربه أنس و لا جان  ،الا مرة في السنة يكون يوم خميس عند الفجر و وقت الآذان .

وضع البخور في المبخرة  ،و تصاعد الدخان في الحجرة و جلست سوسنة  بالقرب من البيضة و العرق يتصبب من كامل جسدها ، التفت الشيخ عريفان نحوها قائلا لها : اقتربي   من البيضة أرجوك ،و انظري في وجهها المدهون بعسل الرمان و قولي لي ماذا ترين يا امرأة ؟

 قالت بلهفة : أرى قصرا فخما محاطا بجيش و حراس

ثم أضافت قائلة : وأرى شوبان ابني  و هو يمشي حافي القدمين في صحراء قاحلة .

ثم قالت و الدموع تنهمر من مقلتيها : إني  أرى حيوانات  كثيرة و أسود ووحوش و غزلان ...

قال الشيخ عريفان : والآن جاء دورك يا سوسنة ، لتساعدي ابنك الملتاع ،على اجتياز هذه المخاطر حتى يصل إلى مبتغاه ..

قالت : و لكن  ما عساي أن افعل

قال : الآن ابنك شوبان يبعد عن قصر الكثبان ثلاثة أميال، وللوصول إلى هذا القصر ستعترض طريقه حية زرقاء ليصارعها و في الميل الثاني سيعترضه أسد أحمر سكبان  و عليه أن يصارعه ويقطع أذنيه ليحملهما للأميرة نورهان و في الميل الثالث و الأخير يعترضه حراس قصر الكثبان  أين توجد الأميرة نائمة على سرير من ذهب و فضة   في انتظار شوبان

قالت سوسنة للشيخ : و هل يصل ابني  في سلام و أمان ؟

قال الشيخ : كل شيء تمام التمام ، لو  رضيت عنه، فرضاك عنه  يكفل له النجاح في الوصول  سالما و آمنا

قالت : أنا راضية عنه

قال الشيخ : لتبرهني على رضاك ، سأعطيك  البيضة  ، لفها في هذه القطعة من الحرير  و عندما تصلي إلى منطقة هومان سيعترضك رهبان يطلب منك  لفة الحرير ليسمح لك بالدخول .

عندما تدخلين، ستجدي بئرا غربية مهجورة و بئرا ثانية  شرقية .

 تقدمي نحو البئر الثانية الشرقية و ضعي البيضة في قعر البئر و ابتعدي  فيصعد دخان أبيض منها ثم  تحولي إلى البئر الغربية المهجورة و  قولي ثلاثة مرات  : أيتها البئر الغربية المهجورة  أنا سوسنة أم شوبان  راضية  كل الرضا عن ابني  و هذا وعد مني لك  أيتها البئر الغربية المهجورة  بهومان .

فهمت سوسنة  ما عليها أن تفعله  من أجل ابنها الذي غادر البيت  بحثا عن حبيبة قلبه الأميرة نورهان و أخذت البيضة من الشيخ عريفان الذي لفها في قطعة قماش من الحرير و وصلت إلى منطقة  هومان فخرج لها  الرهبان وطلبها لفة الحرير فسلمته اللفة و هي ترتعد خوفا منه .

 ثم اتجهت صوب البئر الشرقية  و رمت البيضة فتصاعد الدخان  وبعد ذلك  تحولت نحو البئر الغربية المهجورة و قالت ثلاثة مرات : أيتها البئر الغربية المهجورة  أنا سوسنة أم شوبان  راضية  كل الرضا عن ابني  و هذا وعد مني لك  أيتها البئر الغربية المهجورة  بهومان .

رد عليها الرهبان أحسنت يا امرأة قوبل رضاك  عن ابنك شوبان  الذي غادرك من زمان  بحثا عن الأميرة نورهان .

في الأثناء كان شوبان يصارع الحية الزرقاء صاحبة الأذنين  التي اعترضت طريقه فأمسك بحجر صوان و بضربة على رأسها  من الخلف سقطت و ماتت و لم يعد لها اثر فذابت . أكمل شوبان  المسير و هو يحمل معه وهج المشاعرو الأشجان

فتذكر والدته سوسنة  و قال في نفسه : ليت أمي ترضى عني ، فلولا رضاها لا يمكن لي أن أوصل  حتى أفوز بيد الأميرة التي أحببت ..

و فجأة خرج عليه أسد أحمر  سكبان  فالتفت شوبان و مسك بيده عودا  و اخذ يصارع الأسد إلى أن فقأ عينيه و قطع أذنيه  و لم يعد الأسد يرى  فتركه و واصل المسير في اتجاه قصر الكثبان   و بيديه أذني الأسد   إلى أن وصل يوم خميس عند الفجر  فانتظر وقت الأذان و دخل باب القصر و كان كل حراس القصر يغطون في سبات عميق ، لا يرونه

صعد إلى غرفة حبيبته الأميرة الحسناء نورهان، فوجدها  ممدة على سرير فاخر و هي في انتظاره و قدم لها  في منديل  أذني الأسد الأحمر  ، فعانقته و عانقها  و قالت الأميرة في نفسها : و أخيرا ظفرت بحبيب قلبي شوبان  .

 عاشا الاثنين معا في سعادة لا توصف ،و بعد أشهر زار والدته سوسنة  التي  كانت سببا في الفوز بالأميرة نورهان ، بفضل رضاءها  عليه  و أصبحت سوسنة تعيش معهما في القصر الفخم  قصر الكثبان و أصبح شوبان ملك مملكة قصر الكثبان  و نورهان أيضا .

 و هكذا يا أصدقائي الصغار تنتهي قصتنا  التي تحمل بين طياتها معان  المودة و الإخلاص و رضاء الوالدين  فلا يمكن أن تتحقق الأماني  و الآمال إلا برضاء الأبوين و خاصة الأم