ضُيوف
مصطفى حمزة
فرّوا من بين الأظافر والأنياب في حمص ، فسلكوا الدروبَ الرعيبة حاملين ما تبقى منهم حتى دلّهم الخيّرون على بيت " أبي يَزَن " في ريف درعا ..
أكرمهم الرجلُ الشهم بأحسن ما عنده ، وخصّهم بغرفة من بيته البسيط ، وفي المساء آثرهم بجهاز التلفزيون الوحيد في بيته .
وحين وقعت عينا الأب على التلفزيون راح يتفحصّه بعينيه المقهورتين ، ثم نظر في عيون فتاتيه الصغيرتين .. لقد كان فيهما صحارى من الوجع المدفون ، والجروح التي لا تندمل !
- أخي أبا يزَن ..
- مِرني يا أخي ، إلامَ تحتاجون أيضاً ؟
- العفو أيها الأكرم ، لقد تفضلتَ علينا .. أرجوك فقط أن تُخبرني من أين لكَ هذا التلفزيون ؟
فاجأ أبا يَزَن السؤالُ !
- جلبه لنا ابني يَزَن حين جاء في إجازته الأخيرة ، منذ حوالى عشرة أيام .. هو مجنّدٌ في الجيش .. لمَ تسألني يا أخي ؟!
- وأين يخدم ابنك .. يَزن ؟
- قال : إنه هناك .. قرب حمص .
دمعت عينا اللاجئ الجريح ، ودبّت الرجفة في كفّيه وركبتيه .. رمقَ صغيرتيْه .. كانتا مُصفرتي الوجهين ، تنظر الواحدة للأخرى في ذهول !!
- أخي أبا يَزَن ، أرجوك افتح غطاء التلفزيون ، هناك ستجد مئة ألف ليرة خبأتها حين اقتحموا علينا بيتنا .. إنها داخل كيس من النايلون الأزرق .
- هل تقصد أنّه ..من بيتك .. وأنّ ابني ..؟!!
- أرجوك ، دعنا نتيقّن ..
عالجَ أبو يَزَن الغطاء ، ثم أخرج المبلغ بكيسه الأزرق !!
ذهل الرجل ، ثمّ جلس مُطرقاً يُخفي وجهه بكفيه.. لكنه لم يستطع حبسَ دموع الخجل والأسف ! بعدَ قليل انتبه لضيفه يسأله :
- وأين ابنك الآن ؟
- في زيارة لصديقه في القرية المجاورة ، سيعود الليلة .
- أخي الكريم ، أرجو أن تقبل مني المبلغ لقاء ضيافتك وكرمك ،لكنّ ابنك .. ليس سارقاً وحسب إنّه ..
- إنّه ماذا ؟!! وماذا فعلَ أيضاً ؟!!
شهقت الفتاتان معاً ، وألقيتا برأسيهما على صدر أبيهما .. وراحتا في بكاءٍ وجيع !
اتصلَ بابنه يستعجله الرجوع لأمرٍ هام .
وحين دخلَ البيتَ فوجئ بوجوه ضحاياه ، وأبوه بينهم يتطاير من عينيه شررٌ غريبٌ !
استدار بسرعة ليهربَ ، لكنّ رصاصة أبيه كانت أسرع .. فاستقرت برأسه !