الأمير والشيخ

سوفان أمير مملكة الزمرد و المرجان و شيخ الصحراء

رضا سالم الصامت

أبو أسامة

يحكى قديما، أن هناك أمير بمملكة الزمرد و المرجان و يدعى سوفان ، خرج في جولة بالصحراء البعيدة مع أحد حراسه، و بينما هو في قلب الصحراء، فجأة تغيير الطقس و غيمت السماء و هبت عاصفة رملية قوية أتت على كل شيء.

 بعد سويعات هدأت العاصفة و لم يجد الأمير حارسه و حصانه ، فأخذ يبحث عنهما لفترة طويلة إلى أن وجد الحارس معلقا بين الكثبان الرملية ميتا فتملكه الذعر بقى يمشي بهدوء و حذر لا يعرف إلى أي جهة يتجه و إلى أين ستوصله قدميه .

لم يكن مع الأمير سوى القليل من الماء، فارتبك و قال في نفسه: حتما سأهلك في هذه الصحراء القاحلة و علي أن أواجه مصيري بنفسي

 قطع الأمير أميالا و فوجئ لما رأى حصانه ممددا بالأرض وهو ميت، تركه وهو تائه في صحراء غريبة يبحث عن قطرة ماء تروي عطشه بعد ضمأ طويل ، فصار الأمير يبكي و هو لا يدري إلى أين سيؤول به المصير ...

احتار في أمره و قال في نفسه : علي بالصبر ، فان الله مع الصابرين. 

لم يعد للأمير أي أمل في النجاة، و هو لا يزال تائها في الصحراء الشاسعة.

 تعب الأمير كثيرا من المشي على قدميه ، و لم يعد يحتمل فقرر أن يرتاح قليلا ، لأن التعب أخذ منه مأخذا ولم يعد قادرا على التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام ، فنال منه الإحباط و سلم أمره لله تعالى .

 مرت الأيام، فإذا بالأمير المتعب، يجد نفسه أمام مجموعة من الذئاب الشرسة تريد مهاجمته فاحتار ما ذا سيفعل لهم لصد الهجمة، و لم يجد أي وسيلة للدفاع عن نفسه، غير رفع عقيرته للصياح. فبدأ يصيح و يستغيث إلى أن بلغ صدى صوته مسمع شيخ كان قريبا منه يقطن في كوخ.

 فهم الشيخ أن هذا الصوت صوت إنسان يستغيث ، مع سماعه عواء ذئاب تريد به شرا ، فخرج لاستجلاء الأمر و بيده عصا غليظة ، فوجد أن الأمير في ورطة ، اندفع الشيخ نحو الذئاب و أشعل النار في كومة من حطب البلاّن* الشوكي والأعشاب الجافة ، فرت الذئاب ، لأنها تخاف النار...

اقترب الشيخ من الأمير و سأله : ماذا تفعل لوحدك أيها الرجل في صحراء قاحلة كهذه ؟

قال الأمير: لقد تهت أيها الشيخ و ضللت الطريق، و أضعت الصديق و لم اشعر بالأمان

رد عليه الشيخ قائلآ : لا عليك ، هيا معي إلى الكوخ و سأعتني بك الليلة ، فأنت من الآن ضيفي .

فرح الأمير ، و شكر الله و فور وصولهما إلى الكوخ روى الأمير على الشيخ ما حدث له حيث قال : خرجت في جولة صحراوية، و بعدت كثيرا عن الطريق وفجأة هبت عاصفة رملية فقدت فيها اعز أصدقائي و مات حصاني و تهت أنا و ليس عندي ماء أروي به عطشي

فهم الشيخ ما حدث للرجل فقدم له طعاما و شرابا ثم نام و في الصباح الباكر شد الرحال و أوصل الشيخ ضيفه إلى الطريق و سلمه حصانا ليعود به إلى موطنه.

كان الشيخ لا يعرف أنه أمير، و بعد أشهر تذكر الأمير ما فعله معه شيخ الصحراء فقرر أن يزوره و يكرمه...

جهز الأمير قافلة و سلك الطريق المؤدية إلى الصحراء و بحث عن الكوخ فوجده وعندما وصل قدم للشيخ مالا و ذهبا وفضة و طعاما و ثمارا و أهداه حصانا جزاء إكرامه له أيام محنته عندما تاه في الصحراء القاحلة.

لم يصدق الشيخ في بادئ الأمر من رآه، فنزل الأمير و قال له: أيها الشيخ أنا الرجل الذي ساعدته من أشهر عندما هاجمتني الذئاب و أرادت بي شرا، أتتذكر ؟

عانق الشيخ الرجل طويلا ثم قال له: و لكن من تكون؟

رد عليه : أنا الأمير سوفان جئتك من مملكة الزمرد و المرجان.

ظل الأمير مخلصا للشيخ اعترافا له بالجميل ، و بقي الشيخ يحب الأمير، و هكذا تنتهي قصة الأمير و الشيخ يا أطفال و منها نستخلص أكثر من عبرة و فيها وقفة نتأمل هذه القيمة المهمة ودورها في حياة الناس،الذين فيهم من لا يعيرها أي اهتمام ،و لكن الإنسان بحاجة إلى مساعدة أخيه الإنسان وأن العلاقات بين البشر في حاجة ماسة إلى دعم متواصل لتقوية أواصرها وترسيخ أركانها ، فحتى الكلمة الطيبة لها أثرها العميق والفعال في تقوية التواصل و الإخاء .

فلا تنسوا يا أطفال هذا الجميل أبداً و تذكروه في حضور من قدمه لكم، وفي كل وقت يتناسب وذكر هذا الجميل اعترافاً بحقه أولاً، وتعليماً للآخرين ثانياً، وتشجيعاً على عمل الخير ثالثاً... فهو صفة حميدة, وخلق كريم و بهذا الخلق الحسن يكثر الخير والمعروف بين الناس, ويظهر الحق, وتعلو المروءة والشهامة في النفوس.

البلاّن*: نبات شوكي نصف كروي غني بالأشواك لذلك لاتستطيع الأغنام أن ترعاه.