قصص قصيرة

قصص قصيرة

سعاد اشوخي

تقليد

"إنَّنا نعود نحو البدائية"؛ هكذا قال الأستاذ محمد عدناني في مُتَعِه[1].

كثيراتٌ هنَّ  اللاتي  يَلبسن العُرْي بدعوى التقدُّم والحرية، في زمن أصبح فيه السترُ عندهنَّ تَخلُّفًا ورجعيَّة، أو هذا ما جنتْه علينا المسلسلات التركيَّة والمكسيكية، وما عُدنا نُميِّز بين لَميس التركية ولا رحمة المغربيَّة، بغير لسانها الذي يَلْهَجُ باللَّهجة المغربيَّة، مع كثير من الكلمات الأجنبية، لكن لميس تَعرِض جسدَها بأسعارٍ ومَبالغَ خياليَّة بما تُروِّج له عارية أو كاسية، لكن رحمة المسكينة ما زالت تُقلِّد بعَمى، تُعرِّي وتُعرِّي؛ حتى أصبحت تَسير نحو البدائيَّة.

نَسيتْ رحمة جلبَابَها الأصيل، وحشمتَها المُتأصِّلة في الجذور، وتَبِعت دُورَ الأزياء الرخيصة على شاشات التلفاز.

فقدتْ رحمة هُويَّتها، كما فقَدت روحَها، وتبرَّأت من كلِّ شيء يَربطُها بالتُّراث، فأصبحتْ خَليطًا من كلِّ الثَّقافات، التي لا تُعبِّر في أي صورة عن رحمة.

فقد أصبحت رحمة بلا رحمة.

وطن

طلَب أستاذ من تلاميذه رسْم خارطةَ الوطن، وقال: عارٌ على الإنسان أنْ يَجهل خارطةَ الوطن؛ الوطن أمُّكَ وأبوك وأخوك وكلُّ عائلتك، هيا أَرونِي كيف تُحبُّون الوطن؟

أخَذ التلاميذ ألوانَهم يَتبارون في حبِّ الوطن، عدا تلميذٍ خَطَّ بعض الألوان السوداء على لوحتِه وشَرَدَ، انتبه الأستاذ إلى هذه الصورة القاتِمة، فقال: "يا بُني، الوطن فردوسٌ نَعيش فيه، واللون الأسود للحزن الذي لا يَجب أن يصل إلى قلوبنا!".

قال التلميذ: الوطن - يا أستاذ - أمي التي ماتتْ في المستشفى الحكومي، ولم تَجد العلاج، الوطن أبي الذي مات وهو يَبنِي قصر العدل، وإخوتي الذين استُشهدوا، وأنا ذلك الشعب الذي بقي يَلبس السَّواد حزنًا بلا وطن.

مَيْطَرُون[2]

لم يكن شيئًا مذكورًا، أراد اعتلاء سلالِم الشُّهرة، قلَّب في عيوب الناس؛ فكَذَب وافترى، عرَّى وفضَح، سبَّ وشتَم، قذَف وطعَن.

دخَل عالم المشاهير من أوسِخ الأبواب؛ أفرغ مكبوتاتِه، وصَفَّق لذنبه الأعوج.

عاد إلى نفسه، وجدها تزيد خُبْثًا، ويزيد غُرورًا.

اسْودَّ وجهه بسوء أفعاله، وما زال يقول: هل من مزيد؟

وهي تُناديه: إليَّ مرجِعُك، إليَّ مرجعك.

               

[1] متع بالمجان مَحكيات؛ للدكتور محمد عدناني، أستاذ بجامعة أكدال بالرباط.

[2] اسم للشيطان.