وهم قصيدة

وهم قصيدة

نسب أديب حسين

دقيقتان.. والنبض في صدرها يزداد.. تشعر بقشعريرة.. أو بتنميلة في أطرافها.. ويسقط من عمر الانتظار ربع دقيقة.. تتذكر خلالها قصيدة، تبحث عن إلقائها بصوت شاعرها على شاشة الهاتف النقال.. عمر القصيدة أطول بدقيقة من عمر الانتظار المتبقي. ستسمعها.. لعلها تعزيها بما لاقى صاحبها يوم كتبها، حين خانه انتظاره ورفض الانتحار.

ويأتيها صوت درويش تؤكد كلماتُه ملامحَ خيبة تخشاها، يوم خالف حلمه الموعد فقال: "لم تأتِ قلتُ ولن.. إذًا سأعيد ترتيب المساءِ.. بما يليق بخيبتي وغيابها.." تتساءل ما الذي سيليق بخيبتها هذا الصباح.. إن هي لم تلقاه.. كيف سترتب ذاتَها، وبأي ِ أمل ٍ ستقنع نفسها.. إن فشلت للمرةِ الخامسةِ في العثورِ عليه.

ويوقظها الشاعر في القصيدة:" قلتُ: لن تأتِ" قد فعلتها هذه القصيدة في مرة سابقة، وجهزتها لاحتمالات خيبة، وصدق يومها حدسُ القصيدة مثلما صدق حدسُها.. أيمكن أن تفعلها القصيدة مرة أخرى..؟

تتبقى مسافة قصيرة.. لتهز رأسها، لا لن تُعدَّ قلبها لإحتمالات الغياب.. تنظر الى المرآة وتبتسم، تنظم خصلة من شعرها، وتؤكد لنفسها قد آن للشهور الممتدة بينهما من اختزال.

تصغي لهمس الكلمات عبر السماعة المثبته على أذنها.. احتمالات اللقاء تتسرب من بين الابيات وتعيدُ القصيدة كل أشياء الاحتفال، وكل احتمالات الفرح الى أماكنها، تفضُ عنها زينتها، وتقبع بين ذراعي شاعر عذّبه تمهل اللقاء، ففض عن جسده حزام الانتظار وجلس القرفصاءَ مرتاحًا يكتبها، ليطلعها هي عن خيبته ذات مساءٍ، حلم فيه وفشل.. ليؤكد لها "لن تأتِ..".

تـُوقِفُ بسرعة همس الشاعر عبر الجهاز..

قريبًا على بعد أمتارٍ قليلة عن المكان تركن مركبتها، تنظر حولها وتبتسم حين تعثر على مركبته في وتزول بعض الشيء احتمالاتُ الغياب. تلقي نظرة سريعة على المرآة، تلملم أشياء قليلة وتسارع بالنزول.. قد حان لعمر الانتظار أن يتوقف. تغلق باب السيارة بسرعة، فمنذ زمنٍ لم ترَ عينيها في عينيه.. ولم يعد في هذه اللحظة القصيرة الفارقة من متسع لفواصل زمنية صغيرة.

جالسًا كفه بين راحتيها معلقة ٌ، تشتد على أناملِها فيما تنظرها عيناه لحظة وتغيب عنها، لتحتمي شفتاه من وزر الكلام بالصمت.. واقفة بجانبه.. ترتب أنامله في كفها.. وتعيدُ البحث في عينيه وفي شفتيها عن كلمات.. يعاوِدها صدى القصيدة "لن تأتِ".. تبتسم وتقترب..:" أين صارت عيناك؟" وحين استدار.. راح يضيع همس العبارة، وراح وهج من عينيه يستبيح الأبيات.