الأرنب السّجين
أحمد محمد علي صوان
كانت الارانب تلعب فرحة حول بيتها في طرف الغابة، وعند الظهيرة خرجت الأم قائلة:
هيا يا صغاري معي لنفتش عن طعام الغداء..
تراكض الصغار حول أمهم، وهي تجري باتجاه وسط الغابة، وكلهم سعداء.
قالت الأم:
يا صغاري، لا تبتعدوا عني، ففي الغابة حيوانات مفترسة!
لكن أحد صغارها رأى نباتاً يحبه، فذهب إليه وتأخر عن أمه وإخوته.
كان هناك ثعلب جائع يبحث عن فريسة، شاهد الأرنب الصغير وحيداً، فتقدم منه بهدوء ولطف، وقال له: مرحباً أيها الأرنب الصغير.
رد الأرنب:
أنا أعرفك يا ثعلب، أمي حدثتني عنك، وحذرتني منك!
قال الثعلب وهو يظهر المسكنة: حذرتك مني؟!
لا، لا، إذا كنت تخاف مني فسأبتعد عنك.. انظر، أنا الآن بعيد عنك، ولو كنت أريد أن آكلك لما ابتعدت عنك، صحيح؟
قال الأرنب: صحيح، إذن ماذا تريد مني؟
أجابه الثعلب الماكر:
أنت تحب هذه الأعشاب، لكنها هنا قليلة، وعندي منها كثير! هيا معي يا صديقي، فأنت من اليوم صديقي.
رد الأرنب:
هيا بنا، ولكن يجب ألا أتأخر عن أمي.
الثعلب الماكر: طبعاً طبعاً، لن نتأخر.
انطلق الأرنب الصغير مع الثعلب إلى بيته، وفي الطريق علم الثعلب من الأرنب الصغير أن أمه وإخوته دخلوا الغابة بحثاً عن طعام، فأضمر في نفسه أمراً! ولما وصلا
قال الثعلب:
هنا الأعشاب اللذيذة، ادخل يا صديقي، ادخل لا تخف، فنحن صديقان.
وما إن دخل الأرنب الصغير المسكين حتى أغلق الثعلب الباب خلفه، وربطه ربطاً محكماً، وهنا صرخ المسكين:
ما تفعل يا صديقي الثعلب؟! هل خدعتني؟
قال الثعلب وهو يقهقه منتصراً:
من يصدق الثعلب يخسر، ستكون عشاء طازجاً لي، أما أمك وإخوتك فسوف يكونون غدائي بعد قليل.
قال الثعلب هذه الكلمات وهو يجري بحثاً عن الأم وصغارها.
حزن الأرنب السجين كثيراً؛ لأنه لم يطع والدته، بل إن عصيانه لأمرها سيوقع الأسرة كلها في ورطة خطيرة، فأخذ يدعو الله أن ينقذهم من مكر الثعلب:
يا رب، أنقذنا من هذه المصيبة، ولن أعصي لأمي أمراً. وانهمرت الدموع من عينيه..
وصل الثعلب بحاسة شمه إلى الأم وصغارها حين كانوا جميعاً يفتشون عن الصغير الضائع وينادونه.
فكر الثعلب بحيلة أخرى، ثم تقدم منهم قائلاً:
أنتم تفتشون عن الأرنب الصغير، وأنا أعرف مكانه، أنا أساعدكم تعالوا معي.
اختبأ الصغار خلف أمهم حين قالت:
أنت ثعلب مكار، لا نريد مساعدتك.. ابتعد.
قال الثعلب بمسكنة:
ألا تعلمين أني تركت أكل اللحم، وصرت آكل النبات فقط.. يعني صرت نباتياً، وابنك الآن ضيف في بيتي، وقد تركته يأكل من الأعشاب التي جمعتها لنفسي.
وتظاهر الثعلب بأنه يأكل العشب القريب، ثم تابع:
تعالوا معي، فقد صرنا متشابهين، وإن لن ترغبوا بصداقتي فاشموا خلفي حتى أدلكم على الأرنب الصغير لتأخذوه، وسأفتش عن أصدقاء آخرين.
كانت الأم على يقين من مكر الثعلب، فمشت خلفه بحذر شديد، وبينهما مسافة طويلة تحاشياً لمكروه، وكانت في أثناء سيرها خلف الثعلب تقطف بعض النباتات الفلفلية الحارة، ولما اقترب الثعلب من بيته
قال للأم:
انظري.. هناك ينتظرني ابنك الصغير.
صدقت الأم ذلك، لكنها لم تشعر الثعلب بسعادتها.
فقالت بجدية:
إن كنت صادقاً في قولك صرت نباتياً، فتناول هذه الأعشاب دفعة واحدة الآن!
ارتبك الثعلب ارتباكاً شديداً، ثم قال في نفسه: لا بأس، قليل من الأعشاب، وبعده كثير من اللحم!
رمت الأم الأعشاب الفلفلية إلى الثعلب، فتناولها دفعة واحدة كما طلبت منه، ومضغها على عجل.. وفجأة، أخذ يصرخ كالمجنون من شدة الألم، وسارع إلى الماء؛ ليطفئ الحرارة التي اشتعلت في فمه وجوفه وتكاد تقتله.
تقدمت الأم بسرعة نحو الباب، وقضمت الحبل الذي يمنع فتحه، وكان الأرنب الصغير يحاول قضمه، وقالت: هيا يا ولدي.. أسرع قبل أن يعود الثعلب المخادع..
جرى الجميع باتجاه بيتهم سعداء بتخليص الأرنب الصغير من أسره. أما الأرنب الصغير فقد كانت دموع الندم على عناده تخنق صوته وتعكر فرحه...