ظَمأ

ظَمأ

مصطفى حمزة

[email protected]

فتح عليهما بابَ غرفة الجلوس بهدوء شديد ودخل بهيكله الناحِل الرقيق ، ووجهِه العظميّ المُصْفَرّ بَدَتْ بيجامتُه التي يلبسها كأنها عُلّقت على هيكلٍ عظميّ ، وفمُه المغلق بإصرار كان يوحي بأنه لم يُفتح منذ سنين ..

 استدارَ وأغلقَ البابَ خلفه ببطءٍ وصعوبة ثم تقدّم منها بخُطىً مستقيمةٍ و قصيرة ، مُتثاقِلاً ساهِمَ النظرات كمَنْ يتأمّل في الفراغ ... جلس متربّعاً عندَ قدميها ، واحتضنَ ركبتها بكفّيه.. ثمّ قبّلها وأسلمَ خدّه لها ، فارتسمت على شفتيه الزرقاوين ابتسامةٌ ناعمة مطمئنّة ، كأنه وَلَجَ إلى حُلُمٍ لذيذ

 تأمّلتهُ من أعلى ، داعبتْ شعرَه بأناملها ، ندّت عنها آهةٌ خرجتْ من أغوار قلبِها المَكْلوم .. مسحتْ بظاهرِ كفّها دمعةً مُحرِقة تَغَلْغَلَتْ في تجاعيد وجهها ، ونظرت إلى أبيه العجوز الجالس على الكَنَبَةِ المُقابلة نظرةًً تحملُ ألفَ شكوى وألفَ استغاثة !

 كان العَجوزُ يُراقب بحسرةٍ وألمٍ هذا المشهدَ اليوميّ المتكرر كلَّ صَباحٍ ، ومنذُ شُهورٍ ؛ من يوم خرجَ وحيدِهما الثلاثينيّ من السّجنِ بريئاً ؛ بعدَ خمس عشرة سنة !