في الرّابِع و العِشرين مِن كَانون الأَوّل

في الرّابِع و العِشرين مِن كَانون الأَوّل

بيسان فؤاد مرعي

تَراكَم الصّقِيع على السيّارات و الطرق كما تراكم على قلبها

اتّكَأتْ على عكّاز الذّكْرى التي لَمْ تُفارِقْها يَوماً ، أَخْرَجَتْ مِظلّتها و سَحبت مِن جَيْبِها

منديلاً تُنظّف بِه دُموعاً تَزاحَمَتْ في جَفْنَيها و أبَت النزول

إنَّهُ كَانون الأوّل ، الشّهرُ الذي شَهَقَ فِيه الكَونُ شَهْقَة الوِلادَةِ والاحتضارِ في آن

إنّهُ كَانون الذي أبكاها . . .

أَكْمَلَتْ مَسِيرَها في الطّريق العَام ، لا تُدرِكُ أين سَتَقُودها قَدَمَاها

رُبّما كَانتْ تَحْلُم في لِقاءِه ، أرادَتْ أن تَرمُقَهُ مِن بعيد

مِن بعيدٍ فَقَط . . و عَلى الجانِب الآخرِ مِن الطّريق ، لا أكثر

فَجْأةً و مِن خَلْفِ رُكامِ الصّقيع تَراءى ظِلَّهُ لَها

صَفَعَتْ أحلامها و هَمَسَتْ لِنفسِها الأمّارة بِه : كَفاكِ جنوناً ...

اقْتَرَب ،

و صَار الفاصُلً بينهُما رَصِيف

حَمَلَ الشّتاءُ رائِحَةَ عِطْرِهِ فتغَلغَلتْ بِها حدّ الهَذَيان

ثُمَّ . . . .

اسْتَيقظَتْ على صَوتِ رَعْدٍ هَزّ الكون

قَفَزَتْ من تَحتِ لِحافِها و أشاحَتْ نَظَرَها عن النّافِذة

و كَعجُوزٍ تُناهِزُ السِتِّين ، تَنَهَّدَتْ

تُرَى أيّ وَجَعٍ هَذا الذي أثْقَلَ ربِيعَها ؟

و أيّ قُدْرَةٍ للبَردِ في إيقاظ أوجَعِنا النّاعِمة ؟