ماتَ الشاعر، صَفِّـقُـوا لَـه بحرارة

ماتَ الشاعر، صَفِّـقُـوا لَـه بحرارة !

ياسمينة حسيبي

قالوا له : "قصيدتكَ ركيكة من الجِهتين"

فأعاد صياغتها خمسين مرة ..؛ ومع ذلك، ظلّت ركيكة من "جِهتهِم" .!

كان شاعرًا..... فقط !

ولم يكن في جيبه سوى قافية أو إثْـنـتـيـن وأربع مجازات يراوغ بها الحياة لفظا ومعنى. 

بَـرَعَ في اجتذاب الموتِ إلى ظلّـه لحدود الدهشة...

واستهوته الحانات الليلية فجلس فيها لساعات ..وساعات... ليكتبُ عن التصوف السياسي وعن المواليد الشعبية وهو ينظر إلى صدور فتيات الليل الممتلئة باشتهاء. 

كتب يوما عن الأبواب ومخترعيها فأُقفلت في وجهه بالرتاج ...

لم يَسمع " صوته" إلاّ مرة أو مرتين - في حياته - وبعدها إبتلعه الصمت ...

أحبّ أصابعه لحدّ الجنون وحزن عليها عندما أُصيبتْ بالشيخوخة المبكرة.

كان يؤمن إيمانا مطلقا بأن الأرض ليست للأخيار..

ولهذا اكتفى بالعيش في قصائده ما بين تقشّف وسوء تدبير. 

لم يدخل إلى جسده إلاّ لِمَــامًا...

وغالبا ما كان يخرجُ من البيت وينسى وجهه معلّقا على المشجب : زهايمر اختياري

في كل محفل "عظيم" كان يطرح أسئلة غريبة من قَبيل :

"ما كان لون البحر قبل أن يصبح أزرقَ؟" 

ولهذا قاطعَتهُ كل المحافل الوطنية والعربية فأصبح جسده عاريا.. إلاّ منه، ولم يعد مسؤولاً عن تصرّفات القصيدة.

نظَم ملحمة في العلاقة الأفلاطونية بين الجمجمة الشعبية والمجد السلطوي فأصبحت تقليعةً للحفلات التنكرية..! 

أشيعَ في الملتقيات الثقافية بأنه كان يحبّ نساء الأرض ويقرأ "المعلّقات السبع" في وقت فراغه ...

قيل بأنه كان يحتسي الشاي بدون سكر...

وبأن أوراقه تحلّق عكس "جاذبية"..أصحاب الأمر

ادّعوا بأنّه كان "يغسل رجليه" كل يوم في القصيدة...

حذروا نساء الحي من "غيّه" الشاعري ...

وأذاعت نشرة أخبار الثانية عشر ليلا بأنه تغزّل في امرأة بدون وجه لم يلتقِها أبدًا في حياته...

حكم عليه غيابيا بالإعدام في ساحة الشّعر...

فنصحه أحدهم باستئناف الحكم، ابتسم بمرارة وأقفل عائدا الى نفسه مُوصيا بقصائده "الركيكة" للشحاذين وأبناء السبيل...

نُـفِّـذ الحُكم وسط حشدٍ كبير منَ المعجبين والزملاء، تتقدّمهم كوكبة "مختارة" من شعراء البلاط ...

كانوا "كلّهم" يصفِّقُـون لموته بِحرارة ويتناقلونَ همسات مفرحة : 

أخـيـرًا، مات الشّاعــر !

أخـيـرًا، عاد إلى رشده !

بعد يومين، كتب أحدُ مُعجبيه على صفحته بالفيس بوك : 

" أيّها الشاعر العظيم، لم تكنْ ... سوى فكرةً مبتذَلة ووجهًا مكرّراً للغياب! "