سوسنة والخاتم السحري

رضا سالم الصامت

يحكى في القديم أن فتاة جميلة تدعى " سوسنة " لم يأت لخطبتها أحد و مع مر الأيام و الأشهر و السنون، كبرت في السن و عاشت المسكينة على أمل في أن تتزوج يوما  ما  و تنجب أطفالا ، و تربيهم  تربية حسنة و تعيش حياة  سعيدة ملؤوها الحب و الحنان ، لكن القدر شاء  إلى أن تظل  سوسنة وحيدة  لترعي أباها و أمها  الذين تقدما في السن و أصبحا عاجزين  عن القيام و الحركة .

 و في  يوم من الأيام ماتت والدتها فحزنت على فراقها و بكت بكاءا مرا لفقدانها ، أما  والدها فقد ازداد تأثرا و أصبح  حزينا  ، و لم يعد يفكر إلا في ابنته الوحيدة سوسنة و في مستقبلها  و لمن سيتركها تعيش وحيدة  من بعده  ، سيما و أن حالته الصحية ازدادت تعكرا  بعد موت  زوجته .

ذات يوم تذكر والدها أن لديه خاتما من الذهب  تركه عند صديقه سلمان و عندما أحس بأن ساعته اقتربت دعا ابنته سوسنة ليبوح لها  بهذا السر. ردت عليه سوسنة قائلة : ليت المنية أخذتني ، على أن أفقدك يا أبي  .  فقال لها و هو على فراش الموت يحتضر : اسمعي  يا ابنتي  ما سأقوله لك

 قالت : إن شاء الله خيرا.

 قال :  لو أخذتني المنية  وحسن العاقبة ، اتصلي بصديق العمر سلمان فلقد تركت لدى هذا الرجل  خاتما ثمينا  فاذهبي يا ابنتي لـتأخذيه منه  و قد  تركته لديه من زمان لأستعمله عند الشدة ، فهذا الخاتم سحري و هو و الحمد لله الذينحمده ونستعين به  ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسئيات أعمالنا ، 
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له 
.

قالت : و نعم بالله ، بقاءك يا أبي بجانبي أفضل من الخاتم

في الأثناء  كان والدها يحتضر ، و بعد لحظات  أسلم الروح إلى باريها  ..

انتشر خبر وفاته بسرعة  و جاء أهل القرية و قاموا بتشييع جنازة  والد سوسنة  إلى المقبرة القريبة . و مضت أيام و أيام  و شهور  و أخذت سوسنة تبحث عن صديق والدها سلمان ، لكنها لم تجده، تعبت في البحث عنه و بينما هي في الغابة  سمعت صهيل حصان ، أخذت تبحث عن مصدره فإذا بشاب  وسيم يمتطي ظهرالحصان، تقدمت سوسنة نحوه  و سألته :

من أنت يا سيدي ؟ قال : أنا ابن سلمان ، عمن تبحثين سيدتي و أنت وحيدة في هذه الغابة ؟

 قالت : ابحث عن رجل اسمه سلمان كان صديقا لوالدي ....فهل تساعدني ؟

قال : وبكل سرور ؟

قالت : اسمي  " سوسنة "

قال : وأنا ابن سلمان الذي تبحثين عنه

فرحت سوسنة و قالت له : هل تدلني عن مكانه

ذهب الشاب  و معه سوسنة  إلى دار سلمان و دخلت عليه و قالت له : إن والدي مات و أوصاني بان أتصل بك لأتسلم خاتما من الذهب تركه والدي المرحوم عندك من زمان

قال سلمان : صحيح ، انه خاتم سحري و هو موجود عندي  في الحفظ و الأمان ، و والدك رحمة الله عليه كان صديق العمر ، و لكني لا يمكن لي تسليمك الخاتم الآن و لكي تسترجعيه عليك أن تجلبي لي ورقة مخطوطة بماء الذهب  ، هذه الورقة موجودة في صندوق من بين ثلاثة صناديق متشابهة في اللون و الحجم

قالت في استغراب : و لكن  لا علم لي بهذه الصناديق الثلاثة

قال سلمان  : والدك  لم  يفشي سر هذه الصناديق ، لأنه لو  أفشى سرها يصبح الخاتم مفعوله باطل، فما عليك إلا أن تبحثي عنهم في البيت .

استغربت  سوسنة من كلام سلمان و قالت له : و لكن كيف لي أن اعرف الصندوق الذي  بداخله الورقة  المخطوطة بماء الذهب

قال سلمان : يجب ان تعتمد على  ذكاءك و تتأكدي من الصناديق الثلاثة ، فمنهم صندوق واحد يحتوي على الورقة المخطوطة و صندوق  في داخلة عقرب و الآخر بداخلة أفعى  ... احذري جيدا ، و عليك أن تفتحي صندوق الورقة و لا أن تفتحي صندوق العقرب أو الأفعى و إن اخطأتي في فتح صندوق العقرب أو الأفعي فانك ستعرضين نفسك للأذى و للموت !

خافت سوسنة و ارتبكت  و ارتعد جسمها  من كلام سلمان ثم نظرت اليه و قالت : ولكن كيف أفتح الصندوق و ليس لدي مفتاح ؟

قال لها سلمان : هذا هو المفتاح ، حافظي عليه و لا تضيعيه

أخذت  سوسنة المفتاح من عند سلمان ،و ذهبت مسرعة إلى البيت  و هي تفتش عن الصناديق الثلاثة و لم تجد لهم أثرا، و بقيت تتأمل هنا و هناك إلى أن لفت انتباهها فراش والدها المرحوم، فقلبته و نفضته  فإذا بالصناديق الثلاثة ظهرت ...

 أخذت تتأمل الصناديق الثلاثة  بحذر و هي حائرة  ما الصندوق الذي  يحتوي على الورقة المخطوطة بماء الذهب ، مرة تقول هذا و تارة تقول قد يكون هذا و طورا تقول  ربما هذا ، احتارت في اختيار الصندوق المناسب  فجاءتها فكرة و بيدها المرتعشة المفتاح و هي خائفة من فتح الصندوق الذي بداخله أفعى أو الصندوق الذي بداخلة عقرب  .

 اقتربت من الصناديق الثلاثة و أخذت تنصت بأذنيها علها تسمع  خربشة   أو زفير  و تأكدت من الصندوق الأولى  عدة مرات و فهمت انه الصندوق الغير مرغوب فيه، ثم أخذت تنصت إلى الصندوق الثاني  فلاحظت انه صندوق لم يحدثأي خربشة فوضعته جانبا ثم تأكدت من الصندوق الثالث فاكتشفت أن به خربشة و زفير  ...

 أخذت الصندوق الذي وضعته جانبا و أعادت التأكد ثانية منه ثم عزمت على فتحه و أدخلت المفتاح و أدارت دورتين  و أخيرا فتحته فإذا بشعاع ذهبي  عم أرجاء البيت و أدخلت يدها و أخذت الورقة المخطوطة بماء الذهب  و هي تلمع في داخل الصندوق  و ترسل شعاعا ذهبيا ساحرا .

أخذت الورقة و أسرعت لسلمان  و عندما وصلت  طرقت الباب ففتح لها و أدخلها و سلمته الورقة  المخطوطة بماء الذهب  ...

 غاب سلمان عنها للحظات، ثم عاد لها و سلمها الخاتم السحري و قال لها :

سلمتك خاتم العز و هو  ملك لك ، تضيعيه بإصبعك و تمسحيه مرتين و تطلبين ما تتمناه  مرتين فيتحقق مبتغاك .

فرحت سوسنة بالخاتم و عادت لبيتها ،و أخذت الخاتم و وضعته بإصبعها و مسحته مرتين ثم قالت مرتين  يا الخاتم الذهبي ، لبي لي طلبي .... يا الخاتم الذهبي ، لبي لي طلبي ....

كان طلبها : أريد زوجا مثاليا يطيعني، يعيش حياته معي في حب و حنان و صدق و وفاء و طاعة و أنجب منه أطفالا و يكون أميرا يملك قصرا ....

و في لمحة البصر استجاب الخاتم لطلب سوسنة و صار لها كل شيء زوج محترم و أمير يملك قصرا .

بقيت معه سنوات في حب صادق و وفاء دائم مطيعا لها و أنجبت منه أطفالا و عاشت حياتها في سعادة لا توصف و ظل الخاتم بإصبعها  .

و هكذا يا أصدقائي الصغار تنتهي قصة " سوسنة و الخاتم السحري " التي تحققت لها أمنيتها و أصبحت واقعا  .. مع أن الخاتم كان سببا ليجلب لسوسنة السعادة و الحياة الرغيدة .

مع أجمل تحية الكاتب التونسي : رضا سالم الصامت

 الراوي أبو أسامة