أيّهما الانسان، الانسان أم الأبقار
طه أبو حسين
تعالت ضحكاتنا حينما قال ذلك الشاب : "ليتني ثور أعيش بين هذه الأبقار"
كانت هي نقطة الانطلاق لما وددت كتابته ، فكنت ذات يوم وبعض الشباب في زيارة لمزرعة أبقار ، لنعرف كيف يتم استخراج الحليب ، وما هي الآلية التي تسير عليها مزارع الأبقار ،،،، فحدث ما سأرويه عليكم الآن :
تعالت ضحكاتنا حينما قال ذلك الشاب : "ليتني ثور أعيش بين هذه الأبقار"
كدت لا أتوقف عن الضحك لولا ذلك الهاجس الذي أكد لي أن هناك سببا جوهريا قد يكون خفيّا علي دعاه لتمني تلك الحياة بين الأبقار .
والحيرة تملئني سألته مترددا : ولم تتمنى تلك الحياة وأنت سيّد هذه الأبقار ، وأنت المسئول عنها أمام سيدك ....؟!
قال : هذه الأبقار ، نقدم لها أجمل الطعام وأكثره تغذية ، ونقدم لها ما شاءت من الماء ، نهتم بحالتها الصحية جيدا ، فنخضعها للفحوصات بشكل مستمر ودوري ، نداويها إن احتاجت ذلك ، ونعطيها المضادات المختلفة في وقتها ، ولا تنسى أننا في كلّ يوم ننظف روثها"فضلات البقر " صباحا ومساء ، وبهذا لا نحرمها شيئا ، وكلّ ذلك مقابل الحليب فقط الذي نستخرجه منها.
فصمت برهة من الوقت وقال وعينيه تكاد تذرف الدمع : أما أنا الإنسان........
أعمل وأعمل ، فلا ألقى من صاحب العمل سوى الإهانة ، والتحقير في كل وقت ومكان ، والتمنن عليّ بأجرتي التي تكاد لا تطعمني أنا وزوجي وأطفالي الصغار ،،، أشتهي منه سماع كلمة شكر وثناء ، دائما يدعوني بالمقصر في واجباتي حتى وان حملت الأبقار على أكتافي ....
هذا على صعيد عملي ، وحينما أخرج إلى الحياة الطبيعية ، فلا جهة ترعى شأني ، ولا مسؤول يهتم بأمري ، إن جعت وأسرتي لا معيل لنا سوى الله ، وان مرضت وذهبت إلى المشفى لا أداوى قبل أن أدفع التكاليف مسبقا ، وإن لم يكن بحوزتي المال ، تركت نفسي لله دون علاج .
بالله عليك هذه الأبقار التي تعيش بكل هذا الرفاهية والرغد من الحياة ، ألا تعيش بحال أفضل من حالنا كــ بشر ...؟!
ألا يجدر بي تمني حياتهم ومعيشتهم عن حياتي التي أعيش كــ إنسان ...؟!
فضحك ضحكة تلتها دمعة وسألني : الآن أخبرني : من الحيوان ومن الإنسان بنا ، أنا أم هذه الأبقار ....؟!