للآخرين فقط

ناديا مظفر سلطان

كانت القردة" نينا "منهمكة في التقاط القمل من فروة رأسه الكثيفة ، أما الخنزير" بابو" فقد كان يقلم مخالبه ببراعة فائقة ، همس متسائلا : هل بلغك الخبر يا سيدي؟

كان الكرى قد بدأ يداعب أجفانه الثقيلة ، رد بعدم اكتراث :

أي خبر؟

استجمع" بابو" شيئا من الشجاعة ، تنحنح، وهو يجرجر مؤخرته الهائلة ، أردف متلعثما :

يقولون يا سيدي أن جرذ الحقل قد قضى نحبه....بعد أن ثارت عليه فئران البيادر...

لقد عثروا على جثته طافية في المجرى الخلفي .

كان الأسد مشغولا بتخليص أنيابه من بعض قطع اللحم العالقة ، فاستمد " بابو" من صمته قدرا آخر من الشجاعة ، أكمل حديثه بسرعة خشية أن يجبن ويعجز عن استكمال ما بدأ به

- لقد استمدت حيوانات الغابة القوة من هذا النبأ يا سيدي ، فازدادت وقاحة وجرأة ، وأعلنت ثورة غضب على جنابكم .

- من الواضح أنك هرمت يا "بابو" وبدأ الخرف يدب في دماغك المتآكلة . هل تذكر كيف حدثتني وأنت تلهث جزعا عن هروب التمساح العجوز عندما زحفت إليه الأسماك الثائرة؟

هل تذكر ما قلت لك ذلك الحين ؟

هتف الخنزير بحماس : أذكر يا سيدي لقد قلت لي آنذاك ، هذا يحصل للآخرين فقط.

-ها قد انتعشت ذاكرتك أيها البدين الغبي ، حقا البطنة تذهب الفطنة .

-تذكر هذا جيدا للأيام القادمة :هذا يحصل للآخرين فقط .

قفزت القردة " نينا " بعد أن فرغت من عملها ، صفقت بقوة ، كشرت ضاحكة ، وصاحت بأعلى صوتها، وهي تصول وتجول بخفة بين الأغصان : للآخرين فقط ، للآخرين فقط ...هذا يحصل مع الآخرين فقط.

أشار الأسد إلى" نينا" و"بابو" بالانصراف ، ثم استسلم إلى قيلولته المعتادة ، فنام نوما هادئا عميقا .

أفاق مفعما بالنشاط والقوة ،وما هي إلا وثبات معدودة ، حتى بلغ ذروة الجبل .

كانت شمس الأصيل تغرق الغابة بفيوض ذهبية ، بينما راحت حيوانات الغابة تدلف إلى النهر كي تنهل منه .

بدت له جحافلها من مكانه الشاهق وكأنها ديدان تسعى ، أدهشته بادئ الأمر ضآلتها وحقارة شأنها ، تذكر فجأة حديث الخنزير" بابو" فتحسس أنيابه الحادة بزهو، وتلمس مخالبه المقلمة بسعادة.

زأر عاليا فرددت الجبال والوديان و الحقول والصحاري ، أصداء زئيره :

أنا وحش الغابة، أنا ملك الملوك ، أنا رب القوة والجبروت !

استبد به شعور عظيم بالفخر، وهو يمعن النظر في المخلوقات بالأسفل

-هذه الديدان تتحداني! ...يا للمهزلة!

قهقه هازئا ، ثم تملكته نوبة عنيفة من الضحك، فاستلقى على قفاه ، وهو يشهق بالضحك

الديدان تتحدى الأسد...يا للعجب!!!.

أطل الخنزير" بابو" بعد قليل، بصحبة القردة "نينا "، كانا يجران اثنان من المهور العربية الأصيلة ،وشاة يافعة تقطر دما .

العشاء يا سيدي..

كان الجوع قد أخذ منه كل مأخذ ، إذ انتصف الليل ، فالتهم المهور على عجل ،ثم أخذ يجهز على الشاة ببطء ، بقيت أحشاؤها فلم يستسغها ، فقد بدأ يشعر بالتخمة ، كما أن الليل قد شارف على الانتهاء.

تجشأ بقوة وهو يضجع ، ثم ما لبث أن ستسلم لسبات عميق ، فلم يوقظه لهيب الظهيرة ، فقط ، أيقظ ديدانا مستكينة في أحشاء الشاة ، زحفت إليه ، تسلل بعضها إلى منخريه ، و إلى فمه المفتوح ،وهو يشخر عاليا ،أما الأخرى البالغة الضآلة فقد تغلغلت إلى دماغه ، فانتشرت فيها .

هب الأسد من رقاده مذعورا، شهق بقوة من أجل جرعة هواء ، فتدافع المزيد من الديدان إلى حلقه

فكتمت أنفاسه تماما.

هرعت إليه "نينا "يتبعها" بابو" ، وأخذا يتبعانه النظر، وقد عقدت الدهشة لسانيهما .

بينما كان يحشرج بآخر الأنفاس، ودّ أن يقول لهما : كنت أظن أن هذا يحصل مع لآخرين فقط ...

ولكنه لم يستطع.