صديقان

زاهيا شاهين

إهداء إلى  (صديقين تاها في الزحام ولم يلتقيا بعد )

كان صخب المدينة قاسيا على قلبه , وكانت  تمر برقا, تقتل النهار والمسافات والملل بنظرات تعبر كل ذلك حتى لا تبالي بالوجوه وحتى ضاقت به شوارعها,  زاغ بصره خارج جسده وملله فتفاجأ بها , فقد توقف صخب المدينة المزعج في أذنيه,  وتوقفت نظراتها في نظراته فاكتشف واكتشفت ذلك الضياع والفقد لسنين طويلة ولم يغادر تقسيمات وجهاهما المتعبان

- هذا هو ؟!!!..أشارت إليه ...أين أنتَ .

- أين أنتِ.

- أنت من سافرت وحدكَ .

أنت من سافرت وحدكِ.

- لا تسألي .

- لا تسأل.

- آه  يا هذا .

- آه يا هذه .

- كيف نبدأ ؟

- بل هو الانتهاء ..البداية كانت في القديم .

- لا تصعقيني بحكمك ...ماذا حدث ؟؟؟!!!!!

-وقفتُ عند حدود يأسي ولم أغادره

- أين هو ؟

- آه ...أما زلت تذكره ..لقد خدعني ...لم يكن كما التقيته أول مرة ولا كما حلمت به , هربت به من مطاردة أمي لحريتي ولحبي للحياة لأغرق مرة أخرى في موتي ..لقد خدعني ...التقيته فكانت القبلة في عرف القبيلة التي تلد طفلا ..لم يتحمل المسؤولية وهرب فبقيت وحدي رغم أننا معا إلى  الآن ...كثر أطفالي وكثر همي ...لم تقف الحياة لتأخذني كما كنت أحبها , بل غادرتني مبكرا ...تخيل ..حتى القلم ..

- ما به ؟؟؟؟

حتى القلم صديقي فقدته حينما احتجته لأخربش به دمي إلا انه خانني ..فقد كلامه ولغته وجف حبره ..

- لا أظن انه خانك ..قد يكون حزنا عليك .

- قد..وحتى لساني ..منذ عشرين عاما أمارس الخرس والصمت ..حتى فقدت حواسي يا هذا .

ابتسم  وجعا : كنا صديقان .

كنا صديقان ونحلم ..كان يغني( مرسيل خليفة )...لنا ..(صديقان نحن ..رفيقان نحن ), وترقص نغماتها في قلبينا طربا ..آهات .., لم نعرف  ولم نفسر سوى أنها تلك الحميمية وتلك الصداقة ...كنت صديقي !!!!!

- كنت صديقتي !!!!!!

-       ولكن من نحن الآن .

-       آه ..من أنت ومن أنا ؟؟

-       أنا لم أتغير

-       لا...ـأنت تغيرت وأنا تغيرت ..فلا شيء يبقى على حاله.. هو قانون الحركة والسكون في الحياة يؤديان نفس النتيجة ...بيننا عشرون عاما ..عشرون حاجزا ..سيلا من البشر والأحداث..والتجارب  ..حين التقينا وكنت يافعا لم تلمسك تلك الهموم ولم تبدأ حياة آخرين تأكل من أجزاء حياتك وتضيفها لرصيدها ..ولم أضف معهم في تلك العشرين سوى ذاكره توقفت عنك وعني وأصبحت ملكا لآخرين ...كما أنا كذلك ...نفسك .

-       هل نبدأ؟؟

-       البداية كانت قبل ...الآن نهاية العقدين

-       نبدأ كصديقين في المحتمل نرسم حلما يحمل جماليات روحك التي اعرف .

-       هل تغامر؟؟؟!!!

-       أغامر يا هذه ..ما بك... أنت المغامرة .

-       لا تنبش ..لا تبحث عنها هناك .

-       لا انبش ولا أبحث عنه هناك .

رفعا عينيهما إلى الأفق فكانت الشمس ساطعة في نهار شتوي ..وضع يده على كتفها وأغمض عينيه ليرى ما يود أن يراه من جديد وغابا في ظلال الشمس تزهو بصديقين تاها في الزحام والتقيا بعد .