الأخت الكبرى
ناديا مظفر سلطان
عانقت تكبيرات العيد هامة الفجر القادم، رددت بهمس مع الأصداء المتعالية: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.
بلل الدمع وجنتيها عند ذكر الله ،إذ سرى دفء الطمأنينة في صقيع قلبها الحزين .هتفت بحرقة ومرارة بين حشرجة مكتومة وآهة حرى اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس.
تعالت التكبيرات :لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه...
عندما عرض عليها الزواج طوقتها الآمال العريضة، والعهود الغليظة ، أنه الأب الرحيم لبناتها، والزوج الكريم لمقامها ، وأنه خير أمين على إرثها ، وأفضل مؤتمن على أملاكها... وحتى يجزل الثمر العطاء ، تقدم ابنه البكر، للزواج من كبرى بناتها ، فتكلل المشروع الواعد بزواج ومصاهرة .
ولكن ، وقبل أن يعقد الثمر أطاحت ريح الغدر والجشع ، ببراعم الأزهار، فتنكر لوعوده ،وخان عهوده ،وأذاقها صنوف العذاب وألوان الشقاء،فاستولى على مالها ، وضن على بناتها ، فعاشت وإياهن في بؤس وضنك.
لم تذق جفناها طعم النوم في الليلة الفائتة ، فغلبها النعاس ولم تصح إلا على طرقات الباب .
كل عام وأنت بخير يا أمي ، دخلت ابنتها الكبرى يسبقها عبير عطر فاخر.
تمتمت الأم بجفاء: خير؟ وهل ترين أننا وأخواتك بخير؟ لقد تركنا أنا وأخواتك دون زاد أو لباس ، حتى فواتير الماء والكهرباء لم أستطع دفعها .
أنت السبب !لو تطيعيه ما كان عاملك هكذا! لقد أوصانا الله بطاعة الزوج، وحتى السجود له !
حتى لو كان هذا الزوج كاذبا مخادعا ،ولصا سارقا ،خائنا للعهد ،وبائعا للضمير ؟؟ أجابت الأم وهي تحاول جاهدة كظم غيظها.
من يتزوج أمي يصبح عمي ألا تعرفين هذا المثل ؟؟والمثل الآخر "اليد التي لا تستطيع تعضّا بوسا وادع عليها بالكسر"
لقد حزمت أمري على كسر هذه اليد التي بطشت بي وبأخواتك ، أنا لن أرض بالضيم مهما كلفني ذلك.
حسنا ! هذا قرارك وحدك فتحملي تبعة قراراتك أنت وبناتك.
بناتي هم أخواتك ....يا "كبيرة"!
تململت بحرج وهي تجمع أطراف معطفها الفاخر ، صلصلت أساورها الذهبية التي تثقل معصميها
لقد تأخرت على" الحاج"... أراك بخير يا أمي .
صفقت الباب خلفها بقوة قبل أن تسمع ردا.
طالعتها رائحة الشواء وهي تقترب من الفيللا ، ترجلت من العربة ، استقبلهاالزوج بحبور: الشواء جاهز وطبقك المفضل "الكبد" ينتظرك ولكن لاتسرفي هناك "آخرة " حلوى الفستق بالسمن البلدي.
أكلت بشهية ، تذكرت للحظات أمها وأخواتها الجياع ،هزت كتفيها وتمتمت : على نفسها جنت براقش .
هتفت بزوجها وهي تلعق أصابعها باستمتاع: دايمة حاج! إن شاء الله العام القادم نكون في عرفات.