ما أحلى الرجوع إلى الطبيعة
نعماء المجذوب
لحظات بهيجة تسربت إلى كياني وأنا بعيدة عن صخب المدينة.
هل ترفق بي الزمن بعد أن كان ضنيناً؟
أم هي رحمة الله شملتني، ودفعت بي إلى عالم مغاير؟
مشاعر لذيذة تحيط بي وأنا في سفر بر، تسافر معها أحلامي إلى آفاق البراري والفضاء، تسرح فيها روحي، وكأن يداً رفيقة تأخذني إلى عالم التأمل في الطبيعة البكر، والبراءة من كل زيف وتصنع.
طرقات تتلوى بحذر حيناً، ورعونة حيناً آخر في الأرض الفسيحة، وبين تلال وتلاع تخفيها في طياتها غامضة محيرة، سرعان ما تنجلي بإشراقة وبهجة.
خيام البدو متناثرة في كل ناحية، يداعب النسيم ذوائبها، ويراقص اللهب في الموقد، وينشر رائحة الخبز المشوي فوق الجمرات.
أطير بجناحين غير مرئيين، أقف عند أفراد البدو، أرى صغارهم يجرون حفاة، أشبه بالعراة، يقفزون بخفة فوق الحصى، تلوح وجوههم أشعة الشمس بسمرة عشقتها الطبيعة،.. ثم أراني أقارن بينهم وبين صغارنا، أبشارهم تكاد تنفجر من الشفافية والغضاضة، لم تعركهم الحياة، ولم يعركوها، ولم تنغرس أقدامهم بتراب الأرض، ولم تجرحها الحصى والشوك.
ابتسمت وقلت بغيرة:
- أغبطك يا بدوي، يا أليف الطبيعة، عقدت صداقة ومحبة معها.
خذ عيشي في المدن، من خلف الجدران الكثيفة، من الأمكنة المحدودة بحواجز الحضارة، دعني أحيا زمناً في خيمتك، تتسلق عيناي كل أفق، أمتطي الغيمات، أقبل أزهار البرية، أنتشي بعطرها، أتأرجح بفروع الأيكات، أستمتع بزقزقة الطيور، وأرتوي من الغدران الرقيقة، وأتذوق ثمار البرية.
آه! أراني أرتعد، ماذا دهاني؟
قفزت وأنا في موقعي من الخيال، نظرت بين قدمي.. هل أحتمل رؤية عقرب أو أفعى؟
لا، لا...
إذن.. فلأكتف بالخيال، وأتذوق متعته من خلال لحظات التأمل والمقارنة حقاً:
البدوي صديق كل شيء في الطبيعة، ونحن صديقنا التأمل الشفاف في الكون، والإيمان بالله بديع السموات والأرض.
ضحكت باصفرار تساءلت:
هل نحن نعيش في صفاء ونقاء، أم يلازمنا الخوف والشقاء؟
إننا مع عقارب وأفاعي، وذئاب كواسر تغزونا من أرض الحضارة والفساد، وتلدغنا في أعماقنا، وفي عقيدتنا وإسلامنا، وتمزق أجسامنا.
لهفي علينا.
ما أحلى الرجوع إلى الطبيعة، والعيش مع وحوشها، إن لم نؤذها لم تؤذنا.