حدث في طرابلس

(أم سليم و أطفالها السبعة)

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

الباب يقرع بعنف ، أم سليم و أطفالها السبعة قبعوا في زواية من زوايا الغرفة !أوصل الإسرائيليون إلى طرابلس ؟ ربما ، فهي لم تشاهد التلفزيون منذ أكثر من أسبوع فالكهرباء مقطوعة عن حي التبانة الشعبي و باقي الأحياء ...

و لكن الأخبار التي سمعتها عن طريق المذياع الصغير، لم تشر إلى أن الإسرائيلين قادمون إلى طرابلس .

أيكون هذا إنزالا جويا ، لعله ؟! فاليهود يخترقون جدار الصوت منذ أشهر طويلة ، ارفعوا أيديكم ؟!

 قطع عليها هذا الصوت الأجش تساؤلاتها ، إنه يتكلم العربية ، و لكن بلهجة لا يعرفها أهل طرابلس .

أيكون مثلا من الجنوب ؟ ولكن ! أين شباب الجنوب ، و معتقل الأنصار يَغُصُّ بهم ، هكذا حدثها زوجها قبل سفره إلى بيروت .

أيكون من المقاومة الفلسطينية ؟ الفلسطينيون لا يفعلون هذا ، فهم و أبناء طرابلس كالبيت الواحد ! لعله من جيش الجيران الذي أتى لإحلال السلام في بلادنا؟!

قوات الردع جئنا للتفتيش : أين السلاح ؟

- السلاح ، ليس عندنا سلاح ؟!

- لا، أنتم تكذبون

 همهم قليلاً ، و بدأت عيناه تجوبان أنحاء الغرفة ، ماذا يأخذ ، و ماذا يَدَع ؟

التلفزيون . لقد حصل على جهاز أفضل منه في تفتيش بيروت ، إذاً ، جهاز الهاتف ، نعم جهاز الهاتف ، فهو لم ير مثله عند تفتيش حماه تجمع الأطفال حول أمهم في خوف ظاهر .

صاح و قد جحظت عيناه : أين المال الذي يأتيكم من الفدائيين ، لتقاتلوا به قواتِ الردع ؟؟

ارتجفت المرأة ، بدأ قلبها يخفق بشدة ، أجابت بصوت متقطع : نحن .. نحن لا نأخذ من الفدائيين ، و لكن نتبرع لهم كل مدة بما يتيسر لنا .

صاح الزنيم إذاً أنتم الذين تثيرون أعمال الشغب ، و تمدون المخربين ؟!

صمتت المرأة ، و لم تجب بكلمة.

بكى رضيعها الذي لم يتجاوز عمره الأسبوع ، مدت يدها لتغطيه ، بدت الأساور و لمعت أمام عيني النذل الواقف ... صاح كمن به مسٌ من جنون :

و تقولين إنكم لا تمدون المخربين ؟ و ليس عندكم مال!! و هذه الأساور التي في يديك ! إنكم أناس خبثاء تبيعونها، ثم تدفعونها لهم !!

و انقض كالذئب الأجرب ، صرخ الأطفال ، ضجوا بالبكاء ، و راحت يدُهُ الآثمةُ تستخلص الأساورَ من ساعِدَيْ أمِ سليم ، و بحركةٍ لئيمةٍ لطمها على وجهها و أفرغ محزناً من الطلقات في أرجاءِ البيت ، ثم خرج..

في الطابق الأرضي كانت مجموعته التي يقودها الملازم عزيز ، تحاول فتح مستودع لمواد الدهان .. طلقات سريعة على الأقفال ، ثم اقتحموا المستودع ، أين خزينة المال ؟ تدافعوا نحوها ، لقد خاب أملهم ، إنها فارغة !!

هل سبقهم أحد ؟ ربما ، هل أفرغها صاحبها ؟ ربما ، احمرت عينا عزيز ، أصدر أمراً بمغادرة المستودع ..

- أكرم !!

- حاضر سيدي

- أطلق قذيفة آربي جي و اتبعني إلى الرصيف الآخر .

شبت النار ، اندلعت ألسنة اللهب ، صاحت أم سليم ، و قد أحاطت النيرانُ بالمنزل من كل جانب ، اختلطت صيحات الأطفال مع احتراق الخشب ، و أصوات الجدران و هي تهوي ..

ضمت طفلها الرضيع إلى صدرها ، التصق جسده بجسدها ...

لقد فات الأوان : صاح رجال الدفاع المدني و الإطفاء الطرابلسيون .. و مع ذلك تابعوا ، لعلنا ننقذ أحداً ..

ابتلعت النار ألسنتَها ، رُفعت الأنقاض .. أربع جثث - خمسة ، ستة .. ما هذا .. لقد التصق جسد الأم بجسد الرضيع ، و صهرت النار الاثنين معاً صاح رئيس الفوج ، و قد تكلل وجهه بالأسى : لفوهما معاً ببطانيةٍ واحدة فهي و رضيعها شيءٌ واحد !!