زلزال الضمير
محمود الشردوب
انطلقت الفتاة مسرعة باتجاه اللص دفعته ،التفت اليها مغضبا ،لحق بها ، امسكها ،اوجعها ضربا ،ثم اخرج شفرة حادة شق بها وجهها الناعم ،سقطت على الارض بعد ان صرخت صرخة قوية
التف الناس حولها –بعد ان هرب اللص – حملوها الى مستشفى قريب لتضميد جراحها ،وبدأت طعناتهم تتوالى عليها "لماذا تفعلين بنفسك كل هذا " ،"هذا لص لاقبل لك به " ،"لم تضيعين مستقبلك " ،لم تكن شفراتهم بأقل ايلاما من ذلك اللص ،بل اشد لأن طعناتهم كانت في قلبها ليميتوا فيها الضمير
لقد زعزعت هذه الفتاة طمأنينة الضمير لدى الجموع الواقفة ،فحتى الذي ينعتها بالتهور خالفت قسمات وجهه ثرثرة شفتيه ،لم يكن مشفقا بقدر ماكان يشعر بتأنيب الضمير ،كونه لم يحرك ساكنا
وكان زميلي ممن طعن الفتاة بلسانه- في محاولة لتهدئة ضميره - ،وأخذ يتحدث عن فشل الفتاة في تحقيق أي هدف ،فهي لم تمسك باللص وخسرت جمالها فما جدوى ماقامت به ؟
قلت له صحيح لقد أخطأت الفتاة ،كان عليها ان تأتي بالحبال الغليظة لتقيد اللص ،والاهم من ذلك ان تأتي بالمقاعد المريحة ليجلس عليها المتفرجون ،ويستمتعوا بالمشاهدة
ان نجحت الفتاة في استرداد ماسرقه اللص ،سيعتبرها المجتمع بطلة عظيمة ،وسيحتفي بها سعيدا كأنه هو صاحب الانجاز،ثم يعود لممارسة حياته بشكل طبيعي دون ان يشعر بتأنيب الضمير كونه لم يفعل شيئا ،لقد تحول الى لص كبير يسرق الانجازات ،ويحتال لراحة البال
بدأت أشعر ان الفتاة كانت مدركة أنها لن تنال من اللص ،لكنها ستنال منا ،لم تكن تقاوم اللص ،بل كانت تقاوم
صمتنا ،لم تكن تطارد اللص ،بل كانت تطارد ضمائرنا التي اختبأت داخل احشاءنا هاربة من اداء دورها ،وربما كان ذلك هدفها
لقد علمتنا الفتاة أنه عندما نقاوم الظلم كأفراد فإننا نستعيد آدميتنا ،كخلق مكرم يأبى الظلم ،ولاتسعى مقاومة الظلم الى التخلص من المستبدين فحسب ،بل الى ايقاظ الضمائر ،الى انتزاع الطمأنينة الزائفة ،وتفتيت وهم الشعور بالرضا ،وصفع مبررات الرضوخ للواقع داخل كل فرد فينا ،انها تكدر صفو المجتمع ان اراد ان يغض الطرف عن الظلم، متخليا عن أحلامه ومتجاهلا واجباته
ان المقاومة سلوك نابع من من بشريتك كإنسان ،فهو واجب فردي به تكتمل انسانا ،سواء أعانك الناس ام خذلوك، فإن أعانوك فربما تقهر الظلم ،وإن خذلوك فحسبك انك قاومت الظلم الأكبر ،ظلم الجموع الصامتة ،الذين كان عليهم ان يشاركوك المعركة ، فلابأس عندها ان تغير اتجاه المعركة لتعلن خوض معركة زلزلة الضمير ،حين تقتحم امام الملأ وحدك بصدرك العاري ،وقبضتك المشدودة ،
تذكر ان رسالتك الرئيسية هي ان تثبت لنفسك اولا أنك انسان سوي ،ثم تقض مضاجع الضمائر النائمة ،وانت حتما المنتصر ،انت العملاق ،ومن حولك سيشعرون بأنهم أقزام.