قصص قصيرة
حسين راتب أبو نبعة
جامعة الملك عبد العزيز
كلية المعلمين بمحافظة جدة
1- نباح و ارتطام
كان كل شئ هادئاً و رومانسياً قبل أن يتعانق قرص الشمس مع لحظات الغروب وراء الأفق غربي المدينة الساحلية التي يكتظ شاطئها بآلاف العاشقين المتنزهين الذين يأتي بعضهم لرؤية انكسار الموج على الصخور السوداء المتناثرة بعشوائية. يقطع لحظات التأمل فتاتان تعبران الساحة الشمالية المبلطة . ليس ثمة شئ يلفت النظر ، فالعابرون هنا كثر . غير أن إحدى الفتاتين كانت تمشي بخيلاء و يتبعها كلب أبيض و ما بينهما
تمتد سلسلة حديدية مشدودة إلى حلقة حديدية في رقبته .كان الكلب أشعث أغبر كأنه انضم حديثاً لنادي الحيوانات المنزلية- إذ أنه ، و كما يبدو ، لم يستحم منذ ولادته ! كانت الفتاة تسحبه أحياناً بعنف فيملأ المكان عواءً فتبتعد الفتاة الأخرى و قد انتابها ذعر شديد.
جحظت عيون عدد من المتنزهين على الشاطئ متأثرة بمنظر الفتاة الأنيقة التي كانت تختلس النظرات في الجالسين كأنها تريد أن تقول لهم : " إني صاحبة الكلب ". تتعثر قدم الفتاة بحفرة صغيرة ناجمة عن اقتلاع بلاطة مربعة الشكل من وسط الساحة فتفقد توازنها بعد أن وطأت على عباءتها السوداء من المفاجأة.لم يقطع هدوء المغيب سوى صوت ارتطام جسد الفتاة على الأرض ، يفلت حبل السلسلة المعدنية من يدها المرتجفة ، غير
أن الكلب الوفي أحاط بها و ضج المكان بصوت عوائه كالمستغيث و ما هي إلا دقائق حتى وصلت المكان إحدى سيارات الإسعاف.
2- طموح
كانت لديه طموحات قيادية لإدارة أحد أقسام المؤسسة التي يعمل فيها ، و لم يترك شاغراً رفيعاً لمنصب يمكن أن يتبوأه إلا و تقدم له. و الحق يقال – إن صاحبنا و يدعى " سامي " كان يمتلك المؤهلات الاكاديمية لتلك المناصب ، غير أنه لم يكن يتمتع بعلاقات حميمية مع كبار المسؤلين في المؤسسة و هم بدورهم لم يزكوه لأي منصب شاغر . غير أن شهوة المنصب ظلت هاجسه الأول يسعى وراءه دون ملل أو قنوط. و مع كثرة
المناسبات الاجتماعية و الوطنية كان من الضروري تنظيم العلاقات الاجتماعية و توطيدها ، لذلك أشار المدير العام إلى ضرورة إنشاء لجنة اجتماعية منتخبة للقيام بالواجب في السراء و الضراء و تنظيم الحفلات و التنسيق مع الجهات المعنية .صدرت التوجيهات بالبدء بتنظيم انتخابات لاختيار رئيس للجنة و نائبين له بكل شفافية.تم تجهيز قاعة الانتخاب بصندوق زجاجي شفاف و حدد موعد الانتخاب و بدأت عملية الاقتراع بجو ديمقراطي شهد له القاصي و الداني ، فقد وضع الصندوق على طاولة أمام الجميع ووضع الموظفون في
جوفه بطاقات الانتخاب الحر تحت إشراف المدير العام للمؤسسة ثم جرت عملية الفرز بكل دقة و أمانة من خلال لجنة ثلاثية من المالية و شؤون الموظفين و المدير العام المساعد. كانت النتائج مخيبة لتوقعات سامي ، فقد فاز بالمرتبة الثالثة أي أنه أصبح النائب الثاني للرئيس. ارتسمت على شفتيه ابتسامة غامضة عندما بدأ زملاؤه بتهنئته معانقين! همهم بكلمات مبهمة. قال أحد الخبثاء انه سمعه يقول :" رائحة البخور خير من عدمه ".
بدأت تغيرات تطرأ على تصرفات صاحبنا ، فقد أصبح أكثر أناقة و حرصاً على هندامه – إذ ربما يطلبون منه القيام بشئ في أي لحظة في مناسبة طارئة كي يمثل اللجنة الاجتماعية الموقرة - ،مرت أشهر و كثرت المناسبات غير انه لم يكلف بشئ مما كان يطمح به.
- ثمة لغز في الحكاية ! كان يهمس في أذن أحد الأصدقاء المقربين.و مع اقتراب السنة المالية على الانتهاء و اقتراب موعد الانتخابات القادمة للجنة، أشفق عليه صديقه و هو يراه يحترق بلهيب الانتظار و قال له: أرجو أن يبقى ما أقوله لك سر بيننا.أقسم له سامي على حفظ السر و انه
لن يبوح به لأحد.
- "نما إلى مسامعي أن رئيس اللجنة الاجتماعية و النائب الأول اتفقا منذ البداية – نكاية بك – على إحباط أية فرصة لممارسة صلاحياتك في اللجنة كنائب ثان و ذلك بأن اتفقا على أن لا يتغيب الاثنان معاً تحت أي ظرف .
شعر بارتباك شديد واخذ يضرب أخماسا بأسداس يبحث عن أبعاد و خفايا المؤامرة الهادفة إبعاده عن الساحة الاجتماعية !