من مذكرات مغتصبة

رؤى صبري

[email protected]

إنها ليلة العيد التي كثيراً ما تفاجئنا كل عام ، مذيع التلفاز فرغ قبل دقائق من تلاوة بيان المجلس الأعلى للقضاء الذي يعلن فيه رؤية هلال العيد ، اكتملت الفرحة في أرجاء البيت بقدومه مع ما يحمله من بهجة لأرواح الكبار قبل الصغار، حيث تمثل هذه اللحظات ساعة الصفر للمشتريات الأخيرة من غذاء وملابس وغيره .

وهكذا وجدتني مضطرة للخروج إلى السوق ، وليتني لم أفعل ، لكنه كان قدري كما كنت أعلل نفسي لأخفف عنها ،إذ بينما كنت أسير بمحاذات أحد محلات الحلويات ، توقفت سيارة بجانبي وراح سائقها يطلق كلمات الغزل الرخيص المبتذلة إياها بينما تجاهلته تماما,وما كدت أدلف للشارع الفرعي حتى شعرت  بيد وضعت على فمي ، وبعدها استيقظت، لأجد نفسي في أقذر وأحقر مكان في العالم ، احتجت دقائق كي استوعب ما حصل خصوصا مع الدوار الذي كنت أشعر به ، جولت بنظري  لأجد نفسي في غرفة حقيرة تسودها القذارة ، رائحتها عطنة ، كئيبة المنظر خصوصا مع الطلاء المتشقق على الجدار، تعمها الفوضى، ولا يستر أرضيتها إلا حشية قذرة يبدو أنها وضعت للنوم، بعدها نظرت لأجد أبشع وجه رأيته في حياتي ببشرته الداكنة وشعره الطويل الذي تركه على أمل أن يجعله فاتنا! أسنانه النخرة عينين لوزيتين، يطل منهما الشر ، وذقن غير حليقة ، هنا فهمت ما حصل جريت نحو الباب وما كدت أصل حتى وجدته يشدني بقوة ، ويجذبني للخلف ، صرخت بشدة فوضع يده على فمي  وراح يضغط بقوة ، إلى أن نزفت شفتاي جراء أظافره الطويلة ، ثم قال بسادية:

اصرخي يا حلوة كما تريدين فلن يسمعك أحد فالمنطقة اخترتها بعناية ، فهي مليئة بالمقيمين بصورة غير شرعية ولن يغامر أحد لينقذك.

أيقنت مذهولة حقيقة الأمر وأني وقعت حقيقة لا خيال ، وأنه كابوس لن أستيقظ منه ما حييت، رحت أرجوه وأتوسل إليه كي يتركني ويسمح لي بالرحيل قبلت يديه وكدت أن أقبل رجليه لكن كل ما قاله لي:

اخلعي عباءتك فلن تذهبي لأي مكان آخر .

عدت أواصل توسلاتي ودموعي الحارة تنهمر ، وأستحلفه بأغلى ما يملك  أن يدعني وشأني ، رغم يقيني أن إنساناً مثله  لا يملك أي شيء في الحياة فمن الواضح أنه مقامر خاسر ، والغريب أني كنت أتوسله بكل ما أوتيت من قوة بينما راح يكمل سيجاراته المحشوة بالمخدرات بلا مبالاة ودون رأفة أو شفقة ، ولماذا يهتم فأنا الضحية وهو المغتصب وبالنسبة له أعتبر هدية العيد التي يهديها لنفسه لا أكثر.

رحت أنظر له نظرة هي خليط من الترجي والألم والاحتقار والأمل، خليط غريب لم أشعر به من قبل ولو أخبرني عنه أحد قبل اليوم لسخرت منه.

 أطفأ سيجارته الأخيرة وقال:

لن أقضي الوقت في انتظار رضاك أنت تعرفين ما أريده منك وبعد أن أنتهي من ذلك سوف أطلق سراحك.

وهكذا وجدت نفسي في قبضته ، ولا سبيل لي للخروج من هنا إلا الاستسلام لإشباع شهواته القذرة ،فأنا عالقة ولا مجال للرحيل، أو لاستخدام القوة الجسدية فالفارق بيننا معلوم ومحسوب  سلفاً ، والنتيجة خاسرة دون أن أخوض في صراع ، لا فائدة منه ، خصوصا أني جربته من دقائق معدودة .

إلى هنا كانت قد خارت قواي الجسدية والروحية من شدة المقاومة والعنف ، وفي تلك اللحظة البائسة في حياتي وجدتني اسلم نفسي وأمري معا !! ,بدأ يخلع ثيابي ويعرني من حيائي الذي لازمني منذ نعومة أظفاري ، بينما القهر يقتلني وكل ما كنت أفكر فيه هو الخلاص والخروج من ذلك الباب الذي لا أعرف كيف دخلت منه.

كان الخوف يلتهمني التهاماً ،فأنا لم أمارس الجنس قبل اليوم ، ولم أكن أتصور أن تذهب عذريتي بهذه الطريقة الوحشية ،و لم أكن أتوقع  كذلك أن أمكث كل تلك الساعات ،حيث من الواضح أن خاطفي  يعاني من حالة صحية تمنعه من ممارسة الجنس بكفاءة ، خصوصاً عندما أرغمني على أن ألعق عضوه القذر عديم الانتصاب، رغم علمه أن لا أمل له في ذلك ، وكلما زاد الوضع سوءاً راح يستنجد بأنفاس من مخدراته أو بجرعات من الخمر التي يحتفظ بأكوام منها ، لم يترك شيئا في جسدي إلا وآذاه ، لدرجة أن أنفي تضرر من رائحته الكريهة ، وتأذت عيناي من منظره المرعب ويدي التي كان يرغمني على أن أشبع بها رغباته.

عدت أترجاه بأن يسمح لي بالرحيل مادام عجزه واضحاً ، ومادام غير قادر على فعل شيء ، حاولت تذكيره بأن ما أصابني يكفيني لكنه كان يرغمني على تكرار المحاولات ، خصوصا أني كنت ضحية مسالمة ، لا تبغي إلا الخروج بأمان ، ولكن مع الوقت رحت أفقد أعصابي ، وفقدت قدرتي على التحمل ، وبدأت أدفعه بعيدا وعندما عاود الاقتراب ، قمت بخنقه لكن صفعة واحدة منه فقط ، وأدت فكرة المقاومة التي ولدت حديثة ، خاصة عندما تبعها  بشدي من شعري الطويل.

بدأت أفقد عقلي فعليا خاصة مع الرنين المستمر لهاتفي النقال ، ولا داعي لأخمن بالتأكيد أن أمي تكاد تصاب بأزمة جراء غيابي ، فلقد طال الوقت .

رباه ماذا أفعل ؟! لن يطلقني هذا الوحش قريبا وعلي أن أخابرها وأعلمها بأني  بخير وأي خير ذاك ؟! توسلته لكي يسمح لي أن أتحدث في الهاتف والغريب أنه سمح لي بذلك على عكس ما توقعت أتممت المخابرة وأخبرتها أني أحتاج لبعض الوقت لازدحام السوق والشوارع ، فأمي طاعنة وخبر كهذا يمكن أن يقتلها ولا أريد أن أخسر شرفي وأمي في هذه الليلة معاً ، أردت أن أخرج بأقل الخسائر كما كنت أظن حينها.

عادت الساعات لتطول ، وفرصي في النجاة تتضاءل ، رحت أناجي ربي أن  ينجيني ، وأنا أتمنى أن تنتهي معاناتي قريبا ، لا فائدة ترجى من هذا الوحش عديم الضمير والإنسانية ،ولذلك هو مغتصب نساء لأنه لن توجد من ترضى به .

 عاد هاتفي ليرن ثانية ، وهذه المرة تركته عمداً ، حتى يباشروا البحث عني ,فلو تركني ارحل لن يكون هناك مشكلة ، لكن ماذا لو سجنني؟ ! وماذا لو أرغمني على معاشرته عدة أيام ، أو دعا أصدقاء له وتعاونوا عليّ ماذا أفعل حينها؟

وكأن ربي سمع مخاوفي فأنقذني منه ، ووصل هو إلى لذته وألقى بنفسه على ظهره مستمتعا بنشوته القذرة وبالشهوة التى أشبعها على حساب عفافي وطهارتي ، لم أضيع لحظة قمت سريعا أجمع ما أمسكت يدي من ثيابي وعباءتي بينما فكرة مجنونة تطاردني ماذا لو أفاق؟ماذا لو عاد ليكرر فعلته الشنيعة ثانية ، أدركت حينها أني لو تأخرت قليلاً فلن أرحل ، وسيكون عليّ أن أحلم بالرحيل ما بقي من حياتي وماذا سأفعل وقتها إذ من الواضح أنه لا يملك أي مشكلة في بقائي هنا,رحت أرتدي ثيابي كيفما اتفق ضممت عباءتي  ، وسترت بها جسدي الجريح ، وجريت نحو الباب فتحته سريعا ، ولم أعبأ بإغلاقه خلفي ، أطلقت ساقي للريح بينما لا تزال  الفكرة المجنونة تطاردني ، وكلما جال في ذهني أنه قد يعدو خلفي زادت سرعتي في العدو في أزقة ضيقة بحارة شعبية ، وأبنية عشوائية ، شعرت كأني في متاهة لا أعرف أين طريق الشارع في تلك الأزقة الضيقة المليئة بالقذارة ،لا أرى لها مخرجاً أو مدخلاً ،وجدت رجلا في أحد الأزقة ، رحت أناديه وأصرخ فيه أن يرشدني إلى الشارع ، لم يعبأ بالرد فعرفت أنه يتعمد تجاهلي ، لم أهتم ورحت أواصل العدو على غير هدى ، هنا وجدت رجلا  آخر في سيارة رحت أسأله مستنجدة أن يرشدني للطريق ، نظر إليّ وكنت في حال يرثى لها ،من ثيابي وشعري المبعثر وآثار الدماء على ساقي وحينها قال لي:

لماذا لا تأتين معي إلى منزلي ؟ سوف تهتم أمي بك وترعاك.

قلت له: فقط أريد أن أعرف أين الطريق.

عاد يقول:لماذا لا تركبي معي السيارة وسوف.........

نظرت إليه شذراّ و عرفت نيته السيئة ، فأطلقت ساقي للريح مرة أخرى ، لقد كان واضحاً في ذلك ، خاصة مع المظهر الذي كنت عليه ، ترجل من سيارته و راح يلحقني بخطاً حثيثة ، بينما واصلت أنا الركض ، وهو خلفي لا يزال  يتحدث عن عرضه القائم بالعناية المزعومة ، واصلت الركض كالمجنونة ، وأنا أغمم في سري (رباه ألن تنتهي هذه الليلة)؟ أنجو من وحش ليلحقني آخر،  وأخيرا وصلت إلى الشارع شملتني العناية الإلهية سريعا ، عندما توقفت لي سيارة أجرة ، في أقل من ثانية ركبتها سريعا ، وأنا لم أزل أتخيل ذلك الوحش يصحو من سكرته ليعود يشدني  من شعري كي يرغمني على إشباع رغباته القذرة ، تزاحمت ألف فكرة في رأسي اتصلت بأمي وأخبرتها أني في الطريق ، وأن كل شيء على ما يرام أغلقت الهاتف ورأسي يكاد ينفجر ، نظرة خاطفة للطريق أعلمتني بأني كنت قريبة من المنزل ، لم أكن في ذلك المكان البعيد في أقصى المدينة ، الذي كنت أتخيله لكني عرفت فيما بعد أنها منطقة عشوائية لا تحيط بها سمعة جيدة كما كان واضحا, ، وهنا أشرت لسائق السيارة بالتوقف عند مدخل الشارع المؤدي لمنزلنا ، تنفست الصعداء بوصولي للمنزل ، صعدت الدرج ، وأقسم بالله أني لم أذق السعادة في حياتي  كتلك اللحظة التي كنت فيها اطرق جرس منزلنا ، وأقسم بالله  أيضاً أني مازلت أتخيله حتى لحظة كتابة هذه السطور، وأخشى أن  يأتي ويعاود ما فعله بي, فتحت الشغالة الباب ، دلفت لغرفتي سريعا وأغلقت بابها وراح عقلي يعمل بسرعة البرق ، والأسئلة تتزاحم في رأسي ماذا افعل الآن ؟ هل أبلغ الشرطة؟هل أذهب للمستشفى؟ كيف سأتعامل مع أمي وأبي وأخوتي؟ كيف سيكون وقع الخبر عليهم ؟ صرخت بأختي لتأتي وكأني بصرختي تلك سوف أستطيع أن أخرس صوت أفكاري,أخبرتها ما حصل في اقتضاب وشاركتها صوت أفكاري من حيرة أمري وقلة حيلتي ،هنا فوجئت بها تصرخ في  وجهي وتقول:

هل جننتي ؟ أي مستشفى ؟ وأي شرطة التي تتحدثين عنهما ، المستشفى سوف تبلغ الشرطة ، وعندها سنقع في فضيحة ، ويوصم بنا العار بقية حياتنا ، وكيف سيكون  وقع الخبر على أمي ؟ قد تموت بسبب شيء كهذا لقد حصل ما حصل وانتهى والفضائح لن تصلح ما أفسده الوحش الآدمي وسوف نتضرر جميعا بلا سبب وبلا فائدة.

كان وقع ذلك كثيراً  على عقلي ووجداني وأكثر مما أحتمل كان كمن سكب عليّ ماءاً بارداً ،  أو كمن تركني عارية في منتصف الطريق ألوك ألم الحقيقة القاسية والوضع المؤلم ، جلست لأفكر في ما قالته ، بينما هي بجانبي تقضم أظافرها حائرة مثلي أو أكثر ، في النهاية  أدركت بأنه لا فائدة لقد حصل ما حصل.

مرت لحظات صمت ناولتني بعدها المنشفة وقالت بشيء من القسوة:

عليك أن تستحمي وتأكدي أن تغسلي ما حصل وتخرجي كأن شيئا ما كان.

لم تحتضني ولم تخفف عني ألمي لقد عاملتني بشدة ساوت بها قسوة  ذلك الوغد ،  ولم تفعل ذلك  حتى  في الأيام التى تلتها ، ولم أبرر هذا التصرف إلا بكونها عملية أكثر مما ينبغي ، خرجت في طريقي إلى الحمام وجدت أخي الصغير يسألني بكل براءة عن سبب تأخري، وكأن سؤاله فجر ينابيع ألمي وقهري جذبته إلى صدري بكل قوة واحتضنته وبكيت كما لم أبك من قبل ، والغريب أنه راح يخفف عني بالرغم من عدم معرفته بما يبكيني .

دخلت الحمام وجلست تحت صنبور المياه واجمة ، لا أقوى على شيء رحت أنظف جسدي بقوة لعلي أعود فأشعر بالنظافة والنقاء مرة أخرى لكن هيهات انهمرت المياه بقوة مثلها مثل دموعي التي ذرفتها تلك الليلة ، ولن تجف ما حييت ،  بل ربما كانت دموعي أشد في حرارتها ،مازلت غير مصدقة ما حدث  لي ، وأتمنى لو كان كابوسا أو مجرد قصة سمعت عنها وانسجمت معها أكثر من اللازم ، بينما كان علي أن أستخدم كل ذرة من طاقتي حتى لا أفضح أمري ، وحتى أكون على الصورة التى يجب أن تكون في أيام العيد والزيارات ، خرجت من الحمام وأنا شاردة الذهن تماما قابلتني أمي ، وقالت لي:حمدا لله على عودتك لقد ظننت أن مكروها ما أصابك.

رديت عليها ساخرة:لا لم يصبني شيء هذا " يحدث للآخرين فقط " !!

ذهبت لغرفتي ورحت أستعد وأجهز زينتي لصلاة العيد ،  كأن شيئا لم يكن ، معللة نفسي بأنه مجرد كابوس، متعجبة من حال الدنيا قبل ساعات كنت أغتصب والآن أنا أتجمل وأتزين يا لسخرية القدر !! ،  لكني برغم ذلك كان ذهني ما يزال مزدحما بالأسئلة  لماذا سمحت لنفسي بأن أكون ضحية؟لماذا لم أصرخ أكثر؟لماذا لم أقاوم بشدة ؟هل استسلمت لأن مقدار القوة الجسدية محسوب ومعلوم؟هل كنت أضعف من اللازم؟لا أدري...في مرة شاهدت برنامج في التلفاز يعرض قصة امرأة  قاومت عملية اختطافها باستماتة ، وكانت نصيحتها أنه ليس من المفترض أن تسمح المرأة لنفسها بأن  تكون ضحية  لا تقاوم ، وأنا لم افعل ذلك فقد حاولت بقدر ما استطعت ، وفي النهاية الواقع مختلف عن قصة تلفزيونية ، يكفيني ما أعانيه من آلام جسدية وروحية فلا داعي لأن أضيف إليها لوم النفس.

ذهبنا إلى صلاة العيد ، وعبثا حاولت أن أتناسي ما حدث ولو مؤقتا خصوصا أننا ذهبنا إلى نزهة بعد الصلاة ، كانت دموعي تنهمر من عيني رغما عني وبالرغم مما حدث فإني أصررت داخل نفسي ، أنه إذا كان  هذا الوحش قد اغتصب جسدي فإنه لن يسرق مني فرحة العيد ، ولذلك رافقت عائلتي في النزهة ، وعدت إلى المنزل وارتديت ثياب العيد الجديدة ، حتى إذا جاءت فترة الظهيرة ذهبت إلى قيلولة  تخلصني من التعب الذي قتلني وليس  رغبة في النعاس ، وبالطبع لا داعي للقول بأن النوم كان قطعة من الجحيم بكل الكوابيس التي أعادت التجربة ، وكل الفزعات التي كنت أقوم على أثرها وعندما استيقظت كان ذلك بمثابة رحمة لي من ذلك النوم.

وأقبل الليل ، وقررت العائلة أن تقضي أمسية العيد في المنزل لاستقبال الزوار ، وقضيت كامل الوقت ملتصقة بعائلتي لا أفارقها  لحظة ، فقد أصبحت أوقات الوحدة كريهة ثقيلة الظل لا تحمل لي إلا ذكرى واحدة شرخت حياتي ومزقتها ، وفي لحظات وحدتي كانت صورة ذلك المسخ لا تفارقني ولا تترك  لي لحظة هناء أنعم بها كأنها لعنة ستظل تصاحبني بقية حياتي وفعلا لا تزال كذلك.

وجاء ثاني أيام العيد وعدت لأمارس جدولي بنفس الإصرار و الحماس كأني أتحداه أو ربما أتحدى نفسي ، بل شعرت أني أتحدى قدري الذي حكم علي بالتعاسة لبقية عمري  ، لا أعلم ،  لكني كنت حريصة أن لا أخرج وحدي أو أن امشي في الشارع بدون أخ أو أب والغريب أن أحداً في المنزل لم يلاحظ حزني المترسب في عيني ولا ألمي الذي كنت أئن تحت وطئته  من حين لآخر .

 في خضم هذه الظروف التي كنت أعيشها لاحظت أن أختي  لم تكن درامية بجميع الأحوال فهي مؤمنة أنه ما عليّ إلا أن أنسى أو أتناسى ، وترى أنه لن يفيد الكلام أو الشعور بالأسى؟ في هذه الليلة اختليت مع نفسي استعدت شريط الأمس في ذاكرتي المفعمة بالحزن والأسى ، مازلت لا أصدق أني تعرضت البارحة للاغتصاب، لطالما ترددت في ذهني أسئلة حول الاغتصاب ، وماذا تفعل أي امرأة أو فتاة  إذا ساقها قدرها لذلك ، وكيف يكون حالها ، لكني لم أتخيل ألبته أنني  في يوم من الأيام قد أكون واحدة منهن ، لم أتوقع أن ألمس الأجوبة إلى تلك الدرجة وعرفت حينها أن  ما تعرضت له لم يكن اغتصاباً لجسدي وطهري فقط ، ولكنه إلى جانب ذلك كان انتزاعا لشعوري بالطمأنينة الذي كنت أعيشه دوما وأوجد عندي إحساساً دائماً  بالخوف والحذر الزائد ،حتى أكاد أصاب بجنون الارتياب وأصبحت روحي الآن تعاني ألماً دائماً ، كما كانت آلام جسدي تذكرني بما حدث ، والقروح التي خلفتها أظافر المسخ القذرة ، مازلت حتى هذه اللحظة أستشعر شعر جسده الكثيف المليء بالقمل على ملمس بشرتي الناعمة وأنفاسه العطنة المعبقة بالكحول في أنفي،  وكل القذارة التي أحاطت بي تلك الليلة , قبضته القاسية, نظرته المفترسة,أفقت من صوت أفكاري بحمد الله على أني أجلس سالمة بين أهلي ، وأنه لم يحتجزني هناك ،و لم يتم اغتصابي من قبل عدة أفراد.

مرت أيام العيد وكانت بالنسبة لي أياماً تعيسة ،جلست أشاهد فيها التلفاز لم أكن في مزاج رائق حقا لاختيار فيلم بعينه ولسوء الحظ  توقفت عند محطة أجنبية تعرض فيلماً عن  قصة فتاة اغتصبت من قبل زميلها في المدرسة ، بعد عدة دقائق قررت أن أغير القناة لولا أن شيئا لفت نظري  حيث قامت أم الضحية بإخضاعها لتحاليل خاصة بالأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي ، مثل الإيدز وغيره .

وتذكرت حالتي متسائلة : رباه لم يخطر ببالي أن أراجع المستشفى لشيء كهذا ،فأنا أيضا عرضة لانتقال أمراضاً كتلك ، وما أدراني ماذا يحمل  حثالة مثل ذلك القذر، وما يكون قد أصابني منه ، توترت ولم أعرف ماذا أفعل لكني قررت انتظار عودة أختي من العمل ، حيث نرى ما نحن فاعلتان وأصررت على متابعة الفيلم للنهاية حيث قام الأهل بإبلاغ الشرطة ومن ثم ظلت القضية معلقة لسنوات بسبب هروب المتهم لخارج البلاد ومن ثم تم القبض عليه ومحاكمته بعد حوالي عشر سنوات ، وبعد المحاكمة استطاعت الفتاة أن تنام كالطفل الرضيع ، وهذا بالطبع على حسب وصفها في الفيلم ، حينها ابتسمت بمرارة وعرفت أنني لن أهنأ لا بطعم النوم ولا بطعم الحياة مادام ذلك الوغد يعيش حراً طليقاً ينعم باغتصاب الأخريات ، لكن كان لدي شيئاً أهم أقلق بسببه وهو احتمال كوني مريضة أو مصابة بأحد تلك الفيروسات التي تصيب الكبد وغيره.

عادت أختي وناقشت معها الأمر وهنا أخيرا أنعم الله عليها  بفكرة ربما تحل المشكلة وقررنا أن نؤلف كذبة عن كوني عاملة في القطاع الصحي و قمت بالتعامل مع بعض الإبر الملوثة وهكذا ذهبنا في اليوم الذي تلاه إلى أحد المستشفيات الخاصة لتجنب كثرة السؤال, دخلت إلى الطبيب وبدأت كل الأكاذيب التي تدربت عليها البارحة تتدفق في ذهني ، وراح الطبيب يسألني عن ما إذا كان المريض مصابا ؟ أو لا ؟ وأنه لا داعي لإجراء التحاليل إن  كان غير مصاب ، وأنه أسهل لي بألف مرة أن أعود إلى السجلات الطبية وأتأكد من ذلك ، وهنا غمغمت في نفسي قائلة:إذا كان علي أن أتأكد من الحالة الصحية للمغتصب أولا ربما سوف أكون أكثر حرصا في المرة القادمة !! .

قامت الممرضة بسحب عينة دم  مني وانتظرنا بعدها في الاستراحة ، وحينها راحت دموع القهر تفر من عيني أهكذا يفترض بي أن أقضي أيام العيد؟ وهل يعقل أن أكون مصابة بأحد تلك الأمراض التي لا نطيق حتى سماع اسمها؟ راحت أفكاري تزداد سوءاً ، ولم أعد أعرف ما الذي يجب فعله ، ناداني الطبيب مرة أخرى لمعرفة نتيجة التحليل,نظرت في عينيه وتمنيت أن يشك في شيء أن يحاول  سبر غوري,أن ينعتني بالكاذبة, أن يصر ليعرف الحقيقة ، تمنيت أن أصرخ وأقول له بأني مغتصبة بأني ضحية لم تقدم لها يد العون ، لم أحظى حتى بنظرة الشفقة أو الرحمة ، ولم اسمع حتى كلمة مواساة،  وتمنيت أن يعرف كم حاولت أن انزع قشرة القوة التي طليت بها نفسي منذ الحادث وأقول لكل الناس ماذا حدث ، حتى أجد من يعزيني في مصيبتي ، ومع ذلك لم يرحمني قدري البائس من أن أعرف وأتأكد وأثلج صدري ، حيث عرفت للتو أن الإصابات من ذلك النوع لا تظهر في مرحلة مبكرة وتحتاج إلى ثلاثة أشهر أو أكثر لكي تكون النتيجة معتمدة!!

هززت رأسي وخرجت ألوم نفسي : هذا ما كان ينقصني ألم يكفيني أن أعيش مع الألم والقهر ويأتي القلق ليزيد الأمر سوءاً.

مر الآن شهراً  كاملاً ، ثلاثون يوما بأيامها ولياليها ، عدت فيها إلى حياتي الجامعية وحاولت الاندماج كما كنت لكن شيئا من المرارة كان ظاهراً على وجهي غير قادرة على إخفائه ، ولم تلاحظه أياً  من الزميلات بحكم الانشغال بالحياة الدراسية  ، وحاولت أن أتناسى بقدر ما استطعت وفي الواقع أنا لم أستمتع بكوني ضحية من أول الأمر ولم أرى الدموع والعذاب في عيون المحيطين بي  ، ولم أحصل على عناية طبية أو علاج نفسي وتعاملت مع الأمر في صمت تام حتى أني كنت أحسد المريض عندما يئن ، أو يبوح بألمه ويتشارك فيه مع الجميع والغريب أن الأمر قد ساعدني على أن أتناسى بشكل أفضل فلا أحد يذكرني أو يسألني كلما أتيحت الفرصة ، وبالتالي يعيد إحياء الذكرى مرة أخرى ، وأكثر ما أزعجني هو فترة الثلاثة أشهر التي كان علي أن أنتظرها حتى أتأكد من نتيجة التحاليل,شيء آخر أرغمني على أن أتناسى هو الخوف من الفضيحة التي كانت الأساس في كتمان الأمر ، لكني تساءلت في نفسي هل يشعر من اغتصبني بالذنب؟هل تاب إلى ربه وأناب؟ أم هل راح يتباهى بما حدث أمام الرعاع من أصدقائه؟لا أدري لكني تمنيت فقط أن أقول له :

لا أريد أن أشنقك أو أن أقطع شرايينك لأرائك تنزف حتى الموت,لا أود أن أقذف بجسدك إلى حمم من الجحيم ،أو أن أنزع جلدك عن جسمك,لا أريد أن أعذب من تحب ، هذا لو كنت تستطيع أن تحب ولا أريد أن أهشم رأسك,أو أنزع أظافرك ، كما لا أتمنى أن تلتهمك السباع, ولو أعطوني سكينا لما قتلتك بها ، لأن في موتك رحمة لك , وأنا لا أحبذ ذلك، حتى أنني لم أفكر بكراهيتك ، وإذا كنت لم أشاء تعذيبك فهذا لأنني أعرف أنه مهما عذبتك لن تذوق أبدا مقدار العذاب الذي ذقته على يديك.

فقط وددت لو أعرف لماذا سلبتني أهم ما تملك المرأة ، لماذا انتزعت حقي في أن أريد أو لا أريد ؟ لماذا أخذت مني الشيء الوحيد الذي أملك الحق في أن أعطيه للرجل الذي اختار، لم تكن مرارة العذاب الذي تذوقته بقدر مرارة حريتي التي اغتصبتها مني ، لم يعد يهم كوني مغتصبة جسديا لأنك اغتصبت الأمان في روحي ، صيرتني كلما نظرت إلى رجل أخاف أن يكون أنت ، بل كدت أخشى أن يكون أسوأ منك ،  رغم إيماني بأنه لا يوجد شيء أسوأ من سلب حق إنسان في حرية  الاختيار ، وكيف سيكون بعد اليوم قيمة لكلمة لا ، بعد أن قلتها لك ألف مرة وكأنك لم تكن تسمعها ،هل تعود لتشكل فرقا ، وكيف يكون لها ذلك ؟! إذ كنت أنا فقدت هذه الصفة ، ماذا أفرق أنا عن الشاة التي تجر للذبح ؟! كيف أكون ذات قيمة  إذا كنت قد فقدت عذريتي وإشراقه روحي وأملي في الحياة وإرادتي؟!  فقط أريد أن أعرف من أعطاك سلطة القوة لكي تغتصبني ، من أنت حتى تحدد مصيري وتغير مجرى حياتي لماذا لم تذبحني لقد رجوتك أن تفعل؟ لماذا قسوت عليّ؟لماذا أخذت روحي لتعيدها إليّ مسلوبة الإرادة لا حول لها و لا قوة ، لا أستطيع أن أعيش بدونها ، وفي نفس الوقت لا استطيع المضي في دروب الحياة بروح منكسرة قتلتها بوحشيتك ألف مرة ومرة ، ،لم تكن قاسيا حين اغتصبني ولكنك كنت أشد قسوة  حين تركتني لأعيش وأي حياة تلك التي أعيشها ،

فقط أريد أن أعرف لماذا اغتصبتني  ؟؟!! .

مرت الآن أكثر من عشرة سنوات رأفت بي الأقدار فيها فجاءت نتيجة التحاليل سلبية وأنهيت فيها دراستي الجامعية وعينت فيها كمعيدة في الجامعة وتدرجت أن  وصلت لدرجة الدكتوراه لم أتزوج قط فإذا منعت الفضيحة من البداية علي أن أكملها إلى النهاية وظهرت في عيون الناس بمنظر راهبة العلم التي لم يترك لها الوقت فرصة للزواج لكني عرفت أني كنت مخطئة كان علي أن ابلغ الشرطة وكان من المفترض أن افعل ذلك  أن أظهر المرارة كما هي  ، وأن لا أخفي شيئا لكن فات الأوان على الندم وأصبح الوقت أكثر من متأخر ولم يبقى لي الآن إلا ذكرى ليلة العيد التي لن تفارق ذهني ما حييت وكما حفظتها في وجداني طول حياتي سوف اصحبها معي إلى قبري.

قاصة سعودية