دفن حماته...فقط

نبيل عودة

كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة

[email protected]

التقى مع صديقه جميل ، تعانقا بمودة وشوق.

 - اشتقت لك يا جميل.. تمضي السنوات بسرعة .. ما أروع اللقاء بك بعد هذا الإنقطاع الطويل .

 - لا شيء يوقف الزمن الملعون. انا أيضا إشتقت لك يا طوني ولأيامنا الماضية، ليتنا نعود تلامذة مدرسة لا نحمل الهم ولا نعرف الغم .

 - اراك غاضبا متوترا، ماذا حدث؟

 - .....

لم يرد. نظر الى وجه جميل وهاله ما رأى، كان وجه صديقه شاحبا ومليئا بالكدمات ، وكأنه خارج من طوشة عمومية. عندما التقاه لم يلاحظ وجهه، ولم يفكر الا بعناق هذا الصاحب العزيز على نفسه ، والذي تربطه به ذكريات لا تنسى.

انتبه طوني ان الجروح تغطي ذراعي جميل وصدره ورقبته أيضا، قال لنفسه لا بد انها خناقة من خناقات جميل ، يبدو انها عادة أخلاقية ولدت معه ولازمته رغم تقدمه في السن.

 منذ ايام المدرسة كان شقيا ومقاتلا ، ولا يتردد في الدخول الى معركة ضد من هم أكثر منه أو أكبر منه دفاعا عن صديق ، او شخص ضعيف، او زميل في الصف. وكان بسبب جرأته وإقدامه يفرض هيبته على جميع طلاب المدرسة كبارا وصغارا.

 هل ما زال جميل بنفس الطباع؟

 -   ماذا حدث لوجهك اذن يا جميل؟ انظر لحالتك.. كلك مليء بالجروح،  من ضربك .. ؟

 - لم يضربني أحد.

- ما زلت تتورط بالعراك ..؟ لم تبطل عادتك؟

- أبدا ..لا شيء من ذلك. أنا لا اتعارك مع أحد .

- ربما لا يجرؤ احد على عراكك ، يعرفون انها معركة خاسرة؟

- لا يا طوني ، لم اعد اتعارك، عندي همومي وهي أكبر من العراك مع الناس..

 - اذن من سبب لك هذه الجروح والكدمات.. على وجهك .. وصدرك .. وعنقك.. وذراعيك ؟

 - لا شيء مهم .. اليوم قبرت حماتي ؟

 - حسنا ، الله يرحمها.. ومن سبب لك هذه الجروح ؟

- أوه .. هذا بسبب رفضها الدفن .